«أحياناً لا تجد الإجابات عن الأسئلة التي تحاصرك، فلا تملك إلا التململ أو التجاهل أو الوقوف على سطح مبنى قديم؛ لتتأمل زرقة السماء، وحركة المجرات، وتعُد النجوم، وأنت ترتشف قهوة داكنةَ السواد، تشبه واقع الحال العربي «المقطع الأوصال»، ثم تزفر من قسوة الصورة، تظل واقفاً «بائساً» «مختشباً»، على شرفة عربية «آيلة للسقوط»، وأنت تستعرض شريط الأحداث السياسية، والشعارات والكلمات والتصريحات، ثم تدير ظهرك لتلك النافذة «الخجولة»، مصوِّباً عينيك على الشاشات الإخبارية، لتشاهد أخباراً مأسوية عاجلة تنقل عمليات قتل واغتيالات ومآسي ومذابح، لا يسلم منها أحد حتى النساء والأطفال الأبرياء.
تحل نوبات البكاء، وتمسح عينيك بمنديل من دم، ويظل قلبك يرتجف، ورئتاك تنهمران بالدموع. هكذا هي الحال في سورية وأنت تشاهد الموت والجثث وأشلاء الأطفال الأبرياء في كل البلدات وتحت الأنقاض».
هكذا بعض ما كتبت متلوعاً في عام 2012، على وقع حمام الدم في سورية.
تأملوا.. بعد مضي أعوام عدة لم يتغير شيء، فما لبثت أن وقعت مجزرة «الكيماوي» في الغوطة الشرقية (21 أغسطس 2013)، التي راح ضحيتها 1127 مدنياً سورياً، 201 منهم نساء، و101 طفل، ها أنا أكتب الآن على وقع مذبحة خان شيخون في 2017 التي لقي فيها أكثر من 100 مدني مصرعهم، بينهم 20 طفلاً بريئاً وبالكيماوي نفسه!
ما أظلم النظام البعثي في سورية وما أكثر جرائمه، وما أظلم القوى التي تدعمه: روسيا وإيران وتابعها «حزب الله» وتلك الميليشيات الطائفية. لا شك أن الضربة الأمريكية لنظام الأسد تبعث الأمل لكنها ليست كافية بل تحتاج إلى تكتل وتكامل دولي لإسقاط نظام المجرم.
وعلى رغم مرور أكثر من ستة أعوام.. لا يزال العالم غارقاً في الجدل أمام نفس الصورة، وعاجزاً في أكبر مؤسساته الأممية (مجلس الأمن) عن اتخاذ قرار ينقذ شعباً.
وتنتهي الاجتماعات المغلقة والمفتوحة إلى دماء وإحباطات.
روسيا مسلحة بالفيتو، وتتنزه بالطائرات في أجواء سورية كل يوم لإفناء شعب لا ذنب له. كم من السوريين هجِّروا من ديارهم بسبب النزاع؟ ثمانية ملايين سوري يعيشون لاجئين ومشردين، كأتعس ما تكون الحال. آلة بشار الأسد العسكرية التي تعززها الطائرات الروسية والميليشيات الإيرانية الأصيلة والوكيلة أبادت 500 ألف سوري، نصفهم من الأطفال والنساء..
والعالم يتفرج.. والجامعة العربية تجتمع وتنفضّ.. ومجلس الأمن يتلقى لطمات الفيتو الروسي مذبحة تلو مجزرة، والسوريون يموتون، وبراميل المتفجرات، وبراميل الغاز السام، وقذائف الدبابات وصواريخ الطائرات لا تتوقف. والأسد يتفنن ويتلذذ بأكل لحم شعبه مشوياً، ومشوهاً، ومُدمىً.
عام سابع بدأ وبارود ونيران بشار وحلفائه لا تنتهي. و«داعش» يجز الرؤوس. والسوريون يُهجَّرون ويشردون وينزحون نحو موت جديد. ستة أعوام مضت وروائح الجثث أضحت مقيمة في كل بلدة وقرية ومحافظة سورية.
أين إرادة المجتمع الدولي لإسقاط نظام المجرم؟ ماذا أصاب العرب بعد أيام فقط من لقاء قادتهم على شط البحر الميت حيث رفرفت أعلام النظام السوري القاتل؟
كيف تجرأ النظام الأسدي على زيادة وتيرة سفك الدماء، وتدشين المجازر والمذابح، ونحر النسوة والأطفال، وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها؟ لقد تجرأ على تلك الفظائع؛ لأنه أَمِن العقاب الدولي، مطمئن إلى أن هناك قوى أكثر شراً منه تدعمه لا تبالي مثل «نيرون» تتفنن بحرق النظام العالمي في سبيل ضمان هيمنتها، وتحقيقها ما تعتبره نصراً على القوى التي تنافسها.
كيف يمكن إرساء مبدأ العدالة للشعوب لئلا تجد الأمم المتحدة مصير عصبة الأمم، وتصبح شريعة الغاب، و«القروش الكبيرة تأكل الأسماك الصغيرة» أساساً للنظام العالمي في القرن الـ 21.
الأكيد أن سورية تقطع من الوريد إلى الوريد، وأضحت أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن تكون، أو لا تكون.
إما أن يرفع العالم المعاناة عن شعبها، وإما نشيعها إلى مصير قاتم.
السؤال اليوم..
هل العالم على شفير مواجهة عالمية كبرى على الأراضي السورية؟!
هل سيبقى الدور العربي على الهامش حيال كارثة تواجه شعباً عربياً؟. الموقف السعودي السريع المؤيد للضربة العسكرية الأمريكية ضد نظام الأسد مهم و«متقدم»، ولو كانت الضربة محددة.
المخالب الأمريكية تعود للمنطقة.. والدب الروسي يدرس حلوله مع القتلة، ولكنه يعرف أن «نزهة أوباما ولت» وصرامة ترمب حضرت.
ترمب قال وفعل.. الرسالة الأمريكية وصلت للكرملين والملالي والأسد، لكنها ليست كافية قبل الشروع في خطة إسقاط نظام المجرم بشار الأسد ووضعه في «الزنزانة» ومحاكمته كمجرم حرب.
عهد ترمب ليس كعهد أوباما. المرحلة مختلفة. المنطقة ملتهبة، ومقبلة على المزيد من النار والبارود، والتضحيات، والمواجهات الكبيرة لحسم الملفات المؤجلة والمعلقة.
* نقلا عن "عكاظ"