يشير التقرير الذي أصدرته لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني أمس تحت عنوان «الإسلام السياسي ومراجعة الإخوان المسلمين: رد الحكومة على تقرير لجنة الشؤون الخارجية السادس»، والذي شارك في وضعه أحد عشر نائباً بريطانيا (ستة محافظين وأربعة من العمال وواحد من الحزب الوطني الإسكتلندي) إلى تغيّر مهم في فهم السياسة البريطانية لحركات الإسلام السياسي.
يقول التقرير إن الحكومة البريطانية اتفقت مع اللجنة على أن مصطلح «الإسلام السياسي» يمثل قوسا واسعا من الحركات والأيديولوجيات، وأن وجود سياسة واحدة تناسب كل الحركات هو أمر غير ملائم، ولكنه أيضاً يقول إن الحكومة لم تردّ على استنتاج اللجنة بضرورة عدم الجمع بين تنظيم إسلامي يوافق «مبادئ الديمقراطية والقيم الليبرالية» وآخر «غير متسامح وذي قيم متطرفة» تحت مصطلح «الإسلام السياسي» نفسه.
يظهر التقرير جوانب الاختلاف العديدة مع سياسات الحكومة ويقوم بانتقاد عدم تواصلها مع جماعة «الإخوان المسلمين»، ويشرح أن جزءاً من سرّية الجماعة يعود إلى القمع الذي تتعرض له، وهو يؤكد، بدون لبس، أن جماعة «الإخوان» في مصر هي جماعة لا عنفية، ويعتبر عدم دعم الحكومة البريطانية للديمقراطية، «بعد إزاحة الجماعة عن الحكم في انقلاب عسكري متزامن مع عنف شديد»، أمراً مؤسفاً، وتقترح التعاطي الإيجابي مع الجماعة كنوع من الدعم لسياستها اللاعنفية.
ولعلّ من أهم الاستنتاجات التي وصلت إليها اللجنة هو أن «الإسلام السياسي» في بعض البلدان يمكن أن يقدم خيارا ديمقراطيا للتنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية كما يؤمن سردية ضد الأيديولوجيات المتطرفة، ويعتبر أن أغلب حركات الإسلام السياسي معارضة للعنف وأنه لهذه الأسباب فإن «الإسلام السياسي هو نوع من الجدار الناريّ ضد التطرف».
يقدّم التقرير مجموعة من الأفكار الشديدة الأهمية والنابعة من التحليل الدقيق للواقع السياسي في العالم الإسلامي، ومن ذلك قوله إن لا حركة سياسية، في ظروف القمع الشديد، تستطيع أن تسيطر على تصرفات كل عناصرها أو مناصريها وتمنعهم من استخدام العنف ضد السلطات، وأن استهداف هؤلاء من دون محاكمات عادلة وإقفال القنوات السياسية لتصريف الغضب يقود غالباً إلى التطرف.
ينتقد التقرير امتناع الحكومة البريطانية عن اطلاع اللجنة على كامل تقرير جون جينكينز عن الإخوان، وسبب التأخر لسنة ونصف في الإعلان عن بعض نتائجه وما الذي حصل بين كتابة التقرير وإعلان بعض نتائجه، ولاحظ كاتبوه أن الحكومة تنتقد عدم الشفافية في أداء الإخوان ولكنّها تقوم بالعمل نفسه فيما يخص التقرير عنهم!
يقدّم التقرير في ختام استنتاجاته واقتراحاته تعريفاً للإسلام السياسي باعتباره طيفا واسعا من الحركات والأيديولوجيات ويؤكد أنه لا يمكن اعتماد سياسة واحدة لكل هذه الحركات، ويطالب لفهم الظاهرة ودعم الديمقراطية ومحاربة التطرف التعامل والنقاش مع الجماعات التي تؤمن بالنظام الديمقراطي والاعتدال والقبول بالآخر والتشارك بالسلطة والسياسات البراغماتية.
يتمتّع تقرير لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني بقوّة مرجعيّة كبيرة كونه صادراً عن نواب يمثلون ثلاثة أحزاب رئيسية في بريطانيا، وهي البلد الذي كانت تجربته أساساً للنظم الديمقراطية في العالم، ويظهر التقرير تحليلاً واقعياً صلباً مستنداً إلى الوقائع والمبادئ السياسية ذات المصداقية والشرعية العالمية، كما أن اتفاق الحكومة البريطانية مع أغلب النقاط التي يقدّمها يعني أنه قابل للتحوّل إلى سياسات تنفيذية مؤثرة في وقت يبدو العالم فيه أكثر ما يكون حاجة إلى الصواب السياسي والمنطق والعقلانية للخروج من دائرة الجنون والتطرّف والغباء الذي يلبس عباءة التنظير الاستراتيجي (إدارة ترامب على سبيل المثال).
وللأسباب الكثيرة الآنفة فإن هذا التقرير هو درس من الدرجة الأولى لنخب سياسية عربية غارقة في العمى الأيديولوجي والانقياد كالخراف للاستبداد وأهوائه تحت مسمّيات الاستقرار والممانعة ومحاربة الإرهاب.