صاغ الرئيس الأميركي موقفه من الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي على نحوٍ يشي بأنه غير مهتمّ وغير معنيّ، فهو لا يمانع «الدولتين» أو «الدولة الواحدة»، لكن تسريبة أحد مسؤولي البيت الأبيض كانتأكثر وضوحاً في عرض موقفه: «السلام لا يتطلّب بالضرورة إقامة دولة فلسطينية».
وإذ كان دونالد ترمب استبق اللقاء مع بنيامين نتنياهو بالقول: إن الاستيطان «قد يشكّل عقبة أمام السلام»، إلا أنه جدّد تأنيبه للأمم المتحدة وللدول التي أيدت في ديسمبر الماضي قرار مجلس الأمن الذي يطالب بوقف الاستيطان، ما عنى أنه لا يزال عند موقف أعلنته الخارجية الأميركية بعد قرار للحكومة الإسرائيلية بتوسيع الاستيطان وجاء فيه أنها تعارض هذه الخطوة لكنها لا تعتبر أن الاستيطان «عقبة أمام السلام» ويُذكر أن واشنطن لم تبدِ أي رأي في قانون الكنيست الإسرائيلية الذي «يشرعن سرقة الأراضي الفلسطينية» وفقاً لتوصيف دقيق تبنته مراجع فلسطينية وعربية ودولية وحتى إسرائيلية.
تنقل إدارة ترمب الموقف الأميركي حيال القضية الفلسطينية من مجرّد انحياز تقليدي إلى استهتار في سبيله إلى التمأسس، كان جون كيري حذّر، في خطابه قبيل مغادرته الخارجية في يناير الماضي، من أن يصبح المستوطنون متحكّمين بالقرار الإسرائيلي وبمستقبل السلام مع الفلسطينيين، لكن الحاصل الآن أن المستوطنين باتوا الأكثر تأثيراً في القرار الأميركي، فما فعله ترمب لتوّه أنه حرر نتنياهو وحكومته من أي قيود، ولو شكلية، في شأن الحل النهائي مع الفلسطينيين، بل منحهما ضوءاً أخضر لضمّ الضفة الغربية، لا لتصبح في إطار «الدولة الواحدة» وإنما لتكريس الوضع الحالي كمزيج من منطقة حكم ذاتي و»دولة شكلية تحت الاحتلال وبلا أي سيادة».
فالوزير نفتالي بينيت، الأكثر تمثيلاً للمستوطنين، ذهب أبعد من الرئيس الإسرائيلي بمطالبته بضمّ الضفة، مستفيضاً بشرح مغزى إسقاط ترمب «حل الدولتين» بقوله: إنه «لا حاجة إلى دولة فلسطينية ثالثة بعد الأردن وغزّة»، ومتوقعاً «إنزال العلم الفلسطيني عن السارية ليُرفع العلم الإسرائيلي» بدلاً منه.
دعا ترمب الفلسطينيين، فيما هو يضرب آمالهم ويزدري حقوقهم، إلى وقف التحريض على الكراهية ضد الإسرائيليين، أما الإسرائيليون المرحّبون بمواقفه فعبّروا عن ارتياح مبكر إلى «خلاصهم» من الشأن الفلسطيني، بل رأوا في نهاية خيار «الدولتين» عقاباً للفلسطينيين على «اعتراضهم على السلام» و»الكراهية» و»العنف»، كما لو أن الاستيطان مساهمة في السلام أو نبذاً للكراهية والعنف، لكن الأهم أن محادثات ترمب - نتنياهو تركزت في معظمها على شؤون أخرى، أهمها إقامة «تحالف إقليمي» (أميركي- إسرائيلي- عربي) مناوئ لإيران بشكل رئيسي، وليكون أيضاً إطاراً لإنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي، ما يعني مقايضة ردع المخاطر الإيرانية في مقابل «شرعنة» الوضع الاحتلالي لإسرائيل وإطلاق يدها في المنطقة.
وقد عرض نتنياهو شروطه لمثل هذا التحالف: الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية، والسيطرة الدائمة على الأغوار غرب نهر الأردن (%28.8 من أراضي الضفة)، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، فهل هذه معادلة متوازنة لأي «سلام» دائم، وهل أن تنازل مَن لا يملكون إلى مَن لا يستحقون يمكن أن يعزز أمن المتنازلين، وهل أن أميركا وإسرائيل مهتمتان فعلاً وجدّياً بأمن العرب وأمانهم أم بالأحرى بابتزازهم؟ أسئلة برسم المرشّحين العرب لمثل هذا التحالف الذي سيولد مختلّاً على أي حال.;
*العرب القطرية