أمس ثار جدلا كبيرا حول عملية السحل التي تعرض لها صفوان في حيمة إب بعد مقتله.
وفقا للأخبار المتداولة فإن صفوان مطلوب امنيا بعدة تهم بينها جرائم قتل، وسوابق أمنية، كما أنه قَتَل اكثر من شخص بينهم نائب مدير أمن دي سفال بعد اشتباكات بين الطرفين، ومات مقتولا ليضع حداً لحياته، وحياة من خرجوا لقتله.
صفوان كان داخل السجن المركزي، وأخرجته المليشيا ليلتحق بصفوفها كمقاتل مخلص، كغيره من النماذج التي اعتمدت عليها المليشيا منذ تحركها في صعدة، عندما عمدت وتعمد لإخراج المجرمين والجناة من السجون، وتدفع بهم ليكونوا قوة جديدة تعمل في دائرتها ومصلحتها، دون أدنى اعتبار للقانون ولا لمخاطر ذلك، ولا لحقوق الضحايا في الطرف الآخر، والذين كانوا يأملون انزال العقوبات القانونية المستحقة بحق الجناة، وليس اطلاق سراحهم ليمارسوا مزيدا من الجرم والجرائم داخل المجتمع.
وبعيدا عن التفاصيل الصغيرة حول مقتل صفوان، والمعركة التي دارت معه، والضحايا الذين سقطوا من الطرفين، فقد رحل هو وخصومه، لكن ظلت قصة نهايته، وما تعرض له من سحل محط الجدل، ومكمن الاستغراب.
لعل اسوأ ما قدمته قصة صفوان هو عملية السحل الوحشية بتلك الطريقة البشعة التي لم يعهد لها الناس في اليمن مثيل ولا نموذج، ولم تنصدم أعينهم وضمائرهم وأفئدتهم، بتلك الصور المقززة، وهي تشاهد شخصاً يتعرض لكل ذلك التمثيل، وجسده يتدلى من فوق شجرة، وجثته تمزقها الطعنات بمختلف انحاء جسمه.
لا وجود لمثل هذه الحالات الا فيما نقلته بعض كتب العصور الوسطى في اوروبا، وجسدته بعض الاساطير عن عمليات انتقام وحشية مورست بحض الضحايا، ومع ذلك لم يكن الأمر بكل تلك الوحشية، التي شهدناها في إب، وهي المدينة المسالمة، المحافظة على قيم وأخلاق المجتمع، قبل حفاظها على اساسيات التدين والسلوك القويم.
لا ندافع عن صفوان، لكن لماذا أفرغ قاتلوه كل تلك الوحشية في جسده، وقد اقتلعوا روحه، وأردوه قتيلا؟ لماذا لجأوا للتمثيل به، وقد فارق الحياة؟ وكيف امتلك أهالي تلك القرية المغمورة الجرأة لممارسة هذا الأسلوب الوحشي في القتل، وأذكى في نفوسهم الرغبة الذئبية في الانتقام.
إن كان مذنباً فقتله هو الجزاء، وهو أمر له دوافعه، ويبت فيه القضاء، ونظرا لعدم وجود دولة، فكان على قاتليه الاكتفاء بقتله، فحسب.
فأخطر ما تولده هذه الحادثة، هو تبسيط عملية القتل في المجتمع، وتصغير هذه الكبائر المشينة، وتعويد الناس عليها لتصبح امراً مألوفاً، يعتاده الناس في المستقبل، ويتعودون عليه، وفي كل الأحوال، هي شيء مرفوض، دينا وعرفاً واخلاقاً ومجتمعاً، ولا تقره إلا نفس غير سوية.
هذه الجرائم لم تكن معهودة في إب بشكل خاص، وفي اليمن بشكل عام، ولم تظهر وتزدهر إلا بعد ما اكتسحت المليشيا البلاد، وفرضت قانونها، وداست على شرائع الدولة، وشجعت عمليات الانتقام، والثأر الوحشية، ومارست أعمال مماثلة بحق الكثير من الابرياء، بمستويات إجرامية مثيلة، كجريمة قتل بشير شحرة، على سبيل المثال.
نموذج صفوان كمجرم استحق التمثيل والسحل من قبل خصومه، سيكون مقدمة لأحداث مشابهه في اليمن، خاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيا، وبشكل أخص لذوي الضحايا الذين قتلتهم المليشيا، ومارست فيهم، ما مارسه صفوان بخصومه، فالجريمة واحدة، والوجع لدى الضحية مؤلم.
تَقًبل قصة صفوان بتلك الصورة التي ظهر بها، تلقي الضوء على القناعات التي تغيرت في انفسنا كيمنيين من جرائم الموت والسحل والقتل، والتي باتت تمثل مشاهد طبيعية، لم تعد تحرك فينا مشاعر الاستنكار والأسف ولو في حده الأدنى.
فمن المسؤول عن هذا التوحش الذي يلف النفوس، وينتزع المشاعر الانسانية، ويزرع الحطب في القلوب، ويرغمنا على تقبل الموت، كيفما كانت وسيلته، وهويته.