« التكتيك، الخطة، المدرب، معدلات التمرير، عدد التسديدات »، كل هذا يجب أن نضعه جانباً الآن وأن نقف مُحيِّين للمنتخب المغربي ومصفقين للاعبين الذين لم يدخروا جهداً ولم يبخلوا بنقطةِ عَرق من أجل إرضاء الجمهور المغربي حول العالم. ما قام به « جنود » المدرب الفرنسي هيرفي رينارد شيء عظيم جداً، لا يتكرر كثيراً.
ولا تصدِّقوا أولئك الذين سيقولون لكم إن ما يهم هو النتيجة؛ فالعالم أصبح يمتلك « اليوتيوب »، الذي سيبقى شاهداً على ما قام به اللاعبون المغاربة في الملاعب الروسية. والمنتخب المغربي لم يكن ذاهباً في كل الأحوال للفوز باللقب، وإنما للعب كرة القدم في المحفل الأكبر عالمياً، وهو ما تم على أكمل وجه حتى لو سارت النتائج بما لا تشتهي سفن الدار البيضاء. فهؤلاء اللاعبون وإن خسروا النتيجة، فإنهم قد ربحوا قلوب المحبين والمشاهدين حول العالم، وهو ما سيبقى إلى الأبد.
والآن إلى التحليل الفني لـ « موقعة » المغرب وإسبانيا
بشجاعة لا مثيل لها، وجرأة لا تمتلكها الكثير من المنتخبات العريقة، لعب المنتخب المغربي أمام نظيره الإسبانيّ، نداً لند وكتفاً بكتف، متخلصاً من العُقد كافة ومُركّبات النقص الكروي.
بدأ « أسود الأطلس » مباراته أمام أبطال العالم 2010 بتكتيك مختلف تماماً عن المباراتين السابقتين؛ هذه المرة بدأوا معتمدين على الهجمات المرتدَّة المنظمة، ما يجعلنا ندرك أننا أمام مدرب عبقريّ قادر على تغيير خططه بشكل مستمر بما يتناسب مع المعطيات والخصم وسير اللقاء.
كما يجب أن نقدر إمكانات اللاعبين، الذين بدوا قادرين على التكيف بشكل احترافي مع الخطط كافة التي يفرضها هيرفي رينارد عليهم، مطبقين إياها بشكل ممتاز.
حتى إن المشاهد يشعر للحظات بأن المنتخب المغربي أدق وأكثر تنظيماً من أن يكون عربياً! في بداية اللقاء، امتص المغاربة الضغط الإسبانيّ بسرعة فائقة وشكل ممتاز، واستمروا في بناء الهجمات المرتدة، بثقة وجودة فريدة من نوعها، مستغلين قدرات نور الدين إمرابط على الطرف الأيمن وحكيم زياش على الطرف الأيسر. مع وجود ماكينات الركض والتغطية؛ مبارك بوصوفة وكريم الأحمدي وأيضاً مع وجود السريع الرشيق خالد بوطيب كمهاجم صريح.
استطاع إمرابط اختراق الجبهة اليسرى للمنتخب الإسبانيّ واستغلال المساحات خلف الظهير جوردي ألبا، وضعف المردود الدفاعي لأندريس إنييستا، الذي ارتكب خطأ فادحاً رفقة سيرجيو راموس، عاقبهم عليه بوطيب في الوقت والآن بهدف أول للمغاربة في روسيا. على الجهة الأخرى، مارس حكيم زياش الفعل نفسه خلف داني كارفاخال، مستغلاً سرعته ومهارته لخلق المتاعب لدفاعات الـ »لا روخا ».
لكن الرائع هو المجهود الدفاعي الخرافيّ للثنائي في دعم كل من نبيل ضرار على الرواق الأيمن وأشرف حكيمي على الرواق الأيسر، مما ضيَّق المساحات على كتيبة النجوم العالمية، حيث عانى إنييستا وسيلفا وألكانتارا وإيسكو في اختراق دفاعات القائد مهدي بن عطية.
في عمق الميدان، كان كريم الأحمدي ومبارك بوصوفة، مع مساندة بلهندة، قادرِين على مواجهة صنّاع لعب الماتادور بنجاعة كبيرة وشجاعة يُحسدون عليها، ما صعَّب الأمور على نجوم إسبانيا وأعطى الأفضلية للمغاربة في شن المرتدات السريعة، التي كادت تزيد من غلة المغاربة لولا القائم والعارضة اللذين تعاونا للتصدي لـ »أجمل هدف لم يُسجَّل » في البطولة حتى الآن.
وفي الدفاع، لم يخطئ « أسود الأطلس »، وإنما استطاع أبناء المدرب فيرناندو هييرو صناعة الفرص والتسجيل، وهو أمر طبيعي عندما تواجه فريقاً يمتلك نصف ملعب بحجم منتخب إسبانيا، تماماً مثلما فعل منتخب المغرب، الذي انتزع نقطة للتاريخ بعد أن انتزع احترام الجميع.
في النهاية، لا يسعنا سوى أن نقول « شكراً » لكل من ساهم في ظهور أسود الأطلس بهذا الشكل المشرف في مونديال روسيا 2018.