[ صلاح ينحدر من قرية "نجريج" بمحافظة الغربية المصرية- جيتي ]
يجتاح الهوس بالنجم المصري محمد صلاح، مهاجم ليفربول الإنجليزي، مصر في الأسابيع الأخيرة، وبات يتمتع بشعبية جارفة وغير مسبوقة في البلاد.
وليس إحراز الأهداف فقط هو ما جعل صلاح يأسر قلوب الجماهير، وإنما أخلاقه الرفيعة ولفتاته الإنسانية التي يقوم بها من وقت لآخر، بحسب مراقبين.
وأسس محمد صلاح مؤسسة خيرية تحمل اسمه تقوم بالعديد من الأعمال الخيرية والمشروعات الخدمية في مصر، خاصة في مسقط رأسه قرية "نجريج" بمحافظة الغربية.
وحقق محمد صلاح هذا العام العديد من الإنجازات، من بينها جائزة أفضل لاعب في أفريقيا لعام 2017، وجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي، كما يتصدر قائمة هدافي الدوري حتى الآن برصيد 31 هدفا.
صلاح في كل مكان
وحاولت العديد من الشركات التجارية استغلال حب المصريين لصلاح عن طريق بيع منتجات وخدمات تحمل اسمه وصورته، بدءا من شركات المحمول والمياه الغازية وحتى فوانيس رمضان.
وتصدر المؤسسات الرسمية المصرية بيانات متتالية لتهنئة صلاح بإنجازاته، تؤكد فيها أنه أصبح مصدرا للفخر الوطني وملهما للشباب، كما استعانت به الحكومة في حمله شعبية ضد تعاطي المخدرات.
وانتشرت في مصر فوانيس رمضان على شكل صلاح، وشهدت إقبالا كبيرا رغم ارتفاع سعرها الذي يبلغ نحو 200 جنيه، كما أطلق تجار اسمه على أفضل أنواع التمر الرمضاني المجفف.
ويعبر كثير من الشباب عن حبهم به عن طريق تقليد قصة شعره ولحيته، كما قدم العديد من المطربين والشعراء الأغاني التي تمدحه، ورسم فنانو الجرافيتي لوحاته على الجدران ببعض الشوارع.
ملهم العرب
وقالت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" يوم الأربعاء إن محمد صلاح أصبح مُلهم العرب، وأشارت إلى أن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي يتفاعلون بفخر مع فوزه بالجوائز المختلفة.
وأشارت صحيفة "صن" البريطانية إلى تنامي شعبية صلاح عالميا، ولفتت إلى ظهور فوانيس رمضان تحمل صورته في كثير من دول العالم الإسلامي.
كما قالت صحيفة "ريكورد" الإسبانية أن كل هدف يسجله صلاح يسبب هزة أرضية في مصر، مؤكدة أن حب المصريين له يزداد يوما بعد آخر.
شعوب مقهورة
وتعليقا على هذه الظاهرة، قال أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، طه أبو حسين، إن الشعوب التي ليس لديها قضية مركزية تلتف حولها، ولا تملك أهدافا قومية تسعى لتحقيقها تبحث عن نجاحات ثانوية في مجالات أخرى مثل الرياضة، لافتا إلى المهمة التي يقوم بها لاعبو الكرة حيث يكون الدافع الأساسي من ورائها هو تحقيق الشهرة وجمع المال للأفراد، إذا ما قورنت بمجالات علمية واقتصادية وعسكرية أخرى.
وأضاف أبو حسين، في تصريحات لـ "عربي21"، إلى أن الشعوب المقهورة تبحث عن تعويض لفشلها في نجاح ممثل أو مغن أو لاعب كرة لتحول نجاحاته الفردية إلى فخر وطني، مشيرا إلى أن فقدان القيمة والرمز في حياة الشباب دفعهم إلى الالتفاف حول محمد صلاح واتخاذه رمزا لهم يحاولون تقليده في مظهره وفي نجاحه المهني.
وأوضح أنه في فترات سابقة في مصر كان تحرير البلاد من المحتل هو الهدف القومي لجميع المصريين، وكان رجال المقاومة هم الرمز لكافة الشباب يحاولون تقليدهم في شجاعتهم ووطنيتهم.
لكن أبو حسين أكد أن الإنجازات الكروية ليست عديمة الجدوى، بل إنها تمنح الأمم نصرا معنويا، موضحا أن كرة القدم تفرغ شحنات التصارع والنزاع بين الأشخاص وأحيانا بين الدول عن طريق التنافس في الملاعب، وبسببها أصبح العالم يطلق ألفاظ الهزيمة والنصر على المباريات بدلا من الحروب وسفك الدماء.
ولفت إلى أنه في ظل تراجع مصر بكافة المجالات، يتعمد الإعلام المصري التضخيم من أي انتصار رياضي والتركيز عليه؛ لشغل المواطنين عن مشكلاتهم الاجتماعية والاقتصادية.
وعن انتشار الإعلانات التجارية والمنتجات التي تحمل اسم وصورة محمد صلاح، قال أبو حسين إن الشركات المختلفة تعمل دائما على استغلال الجانب العاطفي عن المستهلكين كدافع رئيسي لشراء السلع والخدمات المختلفة عن طريق ربطها بنجم محبوب.
رفع سقف طموحات المصريين
من جانبه، قال الناقد الرياضي أحمد عبد العزيز إن نجاحات صلاح الأخيرة رفعت سقف طموحات المصريين إلى مستويات غير مسبوقة، حيث أصبحوا، ولأول مرة، يمنون أنفسهم بحصول لاعب مصر على جائزة أفضل لاعب في العالم، أو أن يقود محمد صلاح منتخب بلاده إلى أدوار متقدمة في كأس العالم، بعد أن كان أقصى أحلامهم هو الحصول على جائزة أفضل لاعب في أفريقيا.
وحول الشعبية الجارفة التي يتمتع بها صلاح في مصر، قال عبد العزيز، في تصريحات لـ "عربي21" إن السبب الأول هو الإنجازات التي يحققها والأرقام القياسية التي يحطمها، بالإضافة إلى أخلاقه العالية.
ولفت إلى أن عدم انتماء صلاح لأي من فريقي الأهلي والزمالك زاد من حب المصريين له، بخلاف نجوم الكرة السابقين كمحمد أبو تريكة، أو الخطيب، أو حسن شحاتة، الذين كان انتماؤهم لفريق يثير عداوة مشجعي الفريق المنافس له.