ما مدى استفادة الحكومة اليمنية من التحقيقات التي تكشف مجددا عن تورط تاجر السلاح المعروف فارس مناع بتوريد ونقل اسلحة الى مليشيا الحوثي في اليمن.
هذا الحدث لا ينبغي ان يكون عابراً فقط، بل يجب الاستفادة منه في كشف الحقائق المتصلة بهذه الجماعة وفضحها، وتسخيره دوليا في تعريتها، وإثبات جنوحها نحو العنف، وتوجيهها السلاح الى صدور اليمنيين، وأنها ستظل كما هي مجرد جماعة عنف وأداة قتل موجهه الى صدور اليمنيين.
بل إن هذا الحدث من الممكن أن يمتد لكشف العلاقات الخفية لعملية تهريب السلاح إلى اليمن، والتي طالما ارتبطت بأذرع المخلوع صالح طوال العقود الاربعة الماضية.
من الناحية الشكلية فالأمر ليس جديدا بالنسبة لفارس مناع الذي بات معروفا على المستوى الأممي بهذه المهمة القذرة، وسبق أن وضع مجلس الأمن الدولي اسمه في قائمة مهربي السلاح إلى حركة الشباب المجاهدين الإسلامية بالصومال، والمصنفة كجماعة إرهابية من الولايات المتحدة، والتي تعد ايضا من احدى الجماعات المتعاونة مع تنظيم القاعدة، ولهذا السبب جمدت وزارة الخزانة الامريكية أرصدة مناع المالية.
كان هذا على المستوى الخارجي، اما على المستوى الداخلي فقد اعتبرته الحكومة اليمنية إبان عهد المخلوع صالح، وتقريبا في الحرب السادسة بصعدة اسمه على رأس القائمة السوداء لمهربي السلاح في اليمن، واتهمته بدعم جماعة الحوثي بالسلاح، وكان ذلك في أكتوبر من العام 2009م.
وهنا ينبغي ان نتوقف لندرك ان هذا التصعيد من قبل الحكومة اليمنية جاء بسبب خلافات بين الرئيس المخلوع صالح وفارس مناع، بعد ان تأزمت الأمور بينهما، وأندلاع صراعاً خفيا بينهما قاد في نهاية الامر صالح الى التوجيه بإعتقاله من قبل جهاز الامن القومي بداية العام 2010م.
وبسبب اعتقاله تظاهر انصار مناع في العاصمة صنعاء، وسعوا الى محاولة تحريره من الشاحنة التي كانت تقله في الطريق الى المحكمة، واطلقوا الرصاص، لكنهم فشلوا في ذلك، ودفع الامر بشقيقه حسن الى تقديم استقالته من عمله كمحافظ لمحافظة صعدة.
كان ذلك احد مظاهر الأزمة الخفية التي وقعت بين صالح وفارس مناع، بعد سنوات من الشراكة في توريد وتهريب وبيع السلاح داخل اليمن وخارجه، ويحكي مقربون ان فارس مناع كان الوكيل الحصري في شراء الاسلحة من قبل وزارة الدفاع بتفويض مفتوح من الرئيس المخلوع صالح إبان سنوات حكمه.
وبعد اطلاق سراحه من السجن في الرابع من يونيو من العام 2010م اتجه فارس مناع ليضع يده بيد مليشيا الحوثي بكل صراحة، وكان هدفهم الاول البرلماني والوزير الحالي عثمان مجلي.
ومع انطلاق شرارة الثورة الشعبية مطلع العام 2011م، كان الحوثيون قد نصبوا فارس مناع محافظا لصعدة، بعد أن مد يديه لهم، وفتح ذراعيه للتعاون معهم.
وجد مناع في الحوثيون ملاذا من تبعات سنوات حكم المخلوع صالح، والتخلص من إرث علاقته السيئ بصالح، فاستقوى بهم، ومكن لهم بصعدة، وكان من اوائل من اعلن انضمامه لثورة فبراير نكاية بصالح وبحثا عن موقع في المشهد القادم.
غير ان مهنته التي أجادها في توريد السلاح، لم يستطع التخلص منها، فظل كما كان تاجر السلاح الأول بلا منازع، وبدلا من تهريب السلاح للداخل بمساعدة رسمية من صالح كما كان في السابق، استفاد من خبرته في هذا المضمار في توريد السلاح لجماعة الحوثي التي كانت تتهيئ للانقضاض على الحكم في اليمن.
ولذلك فإن التحقيقات التي كشفتها البرازيل تشير الى ان فترة توريد السلاح الى اليمن كانت خلال العام 2013م، وهي الفترة التي كان فيها مناع محافظا لصعدة، وهي ذات الفترة التي كانت تستعد فيها مليشيا الحوثي لخوض تجربتها الانقلابية ضد إرادة الشعب اليمني، والتي تحققت لاحقا في العام 2014م، بعد أن صار السلاح مكدسا في مخازنها.
وبسبب مواقفه التي لن تنساها له مليشيا الحوثي، في حصولها على السلاح عن طريقه، فلم يمسه أي ضرر منها، وظل بعيدا عن الاستهداف الشخصي، واقصى ما فعلته هو تعيين محافظ جديد بدلا عنه، بينما ظل مناع يتمتع بقدر كبير من الحظوة لديها.
اليوم فارس مناع يقف في المنتصف بين مليشيا الحوثي التي عمل معها بإخلاص، وبين المخلوع صالح الذي اتهمه من قبل بدعم مليشيا الحوثي، ومع اندماج المخلوع مع الحوثيين في بوتقة سياسية واحدة، فليس من المستبعد ان يعود الدفء في العلاقة بينه وبين المخلوع صالح.
اليوم فارس مناع يعد مفتاحا لكثير من الاسرار المتعلقة بتجارة السلاح وتوريدها الى اليمن، ودعم مليشيا الحوثي التي تسلمت العديد من شحن السلاح من ايران، كما يعد مدخلا لفهم طبيعة علاقته بصالح وشبكة المصالح والمنافع التي كانت تربطه بالمخلوع صالح، ما سيعني فتح العديد من الفضائح التي مارسها صالح في تجارة السلاح بالتعاون مع مناع، الذي لم يكن ليحصل عليها لولا استناده الى نفوذ صالح في الدولة.
إن حدثا كهذا لا ينبغي ان يمر على الحكومة اليمنية مرور الكرام، بل يجب ايفاد قانونيين الى البرازيل للاطلاع على طبيعة التحقيقات التي تجري هناك، والدخول كطرف معني بهذا الملف الخطير، اما إن تم تجاهل هذا الحادث فإن وراء الامر شركاء لم يحن بعد ظهورهم على مسرح الاحداث.