مازلت أعتقد أن انقلاب الحوثيين في اليمن هو الأغرب في التاريخ. ويوم كانوا يدقون أبواب صنعاء كثفوا النيران على التل الواقع فيه مبنى التلفزيون بحراسة لواء عسكري مدرع، وساد الظن أنهم يتعجلون إعلان البيان رقم (1). كانت المقاومة عنيفة هناك وفي جميع المواقع العسكرية التابعة للفرقة المدرعة الأولى التي يتولاها اللواء علي محسن الأحمر.
لكنهم لم ينالوا مقاومة بالدرجة نفسها حين استولوا على القصر الرئاسي ومقار الحرس الجمهوري فبان للناس أن هناك اتفاقاً غير معلن مع علي عبدالله صالح قبل أن يكتشفوا أن المقاتلين تحت يافطة الحوثي إنما هم ضباط وجنود في الحرس المتميز باللياقة والمهارة وفاعلية السلاح.
وكان أكثر من خمسة آلاف منهم قد تركوا ثكناتهم منذ غادر علي عبدالله صالح دار الرئاسة وبعد إلغاء رواتبهم ومخصصاتهم أعيدت بضغط من السفير الأمريكي.
ما لم يعلنه الحوثيون، هو أنهم يوم أكملوا السيطرة على العاصمة ذهبوا مساء إلى منزل رئيس الجمهورية الذي طال به الانتظار مع قادة الأحزاب ووقعوا ما سموه اتفاقاً للسلم والشراكة. وكان هذا أسوأ التعبيرات عن المعاني، فالرصاص يلعلع والحوثي يستأثر ويهيمن في العاصمة، وبدلاً عن البيان الأول أراد الحوثيون أن يأخذوا الدولة بقرارات يوقعها الرئيس الشرعي، وحاول عبدربه منصور هادي أن يستجيب لهم في مواضيع ويراوغهم في غيرها لكنهم أرادوا الأشياء كلها ما أكرهه على الاستقالة. الحليفان (الحوثي - صالح) لم يكن يجمعهما في ذلك الوقت سوى الخصومة للرئيس وتوجهاته دون اتفاق على مضمون الشراكة بينهما.
وكان جوهر العداء أن الاثنين لا يريدان لمخرجات الحوار الوطني طريقاً إلى التنفيذ خصوصاً ما يتصل منها بالنظام الفيدرالي، وأما بعد ذلك فإن الرئيس السابق يسعى إلى استعادة السلطة له أو لابنه، والحوثيون يتمنونها دولة شيعية تحت راية الإمام.
في ظني أن البت في موضوع الاستقالة هو المطب الكبير الذي وقع فيه الحوثي وصالح، فقد استطاع رئيس الجمهورية أن يفلت من قبضتهم وأن يسحب استقالته قبل مضي المدة القانونية لنفاذها دون موافقة البرلمان، في وقت كان الشأن اليمني مطروحاً على طاولة مجلس الأمن، وأدار مبعوث خاص للأمين العام مفاوضات انتهت إلى استحالة التسوية. هنا قرر الحوثيون وحليفهم استكمال مشروعهم الانقلابي بإجراءات تفتقد للذكاء.
وفي القانون كما في السياسة يعتبر الانقلاب ثورة إذا نجح وخيانة عظمى إذا فشل. في حالة اليمن بدا الحوثيون وحليفهم في منزلة بين المنزلتين من الناحية القانونية، وأما في حكم التاريخ فإنهم ساقوا اليمن في دروب الآلام والمآسي. ولقد جاهدوا لنيل الاعتراف الدولي بالتفاوض تحت مظلة الأمم المتحدة ولما لم يقدروا اتجهوا إلى بناء شرعية بلا أساس.
كان الأمر أقل مدعاة للسخرية لو أنهم أعلنوا المجلس الرئاسي استناداً إلى الاتفاق الموقع بينهما من منطلق شرعية ثورية يدعونها رغم الغضب الشعبي الجامح ورغم المقاومة التي حصرتهم في أقل من خمس مساحة اليمن. وكانوا بهذه الشرعية الزائفة قادرين على أن يفاوضوا لكنهم وقعوا في بلاهة استدعاء مجلس النواب. وتكفي الدلالة على سوء الفعل أن وسائل الإعلام نقلت خبر انعقاد المجلس من دون أن تنسى أنه جاء بعد سنتين من الغياب.
لكن الأمر المهم أن هذا البرلمان انتخب في إبريل/نيسان 2003 وانتهت ولايته في 2009 في ظل أزمة سياسية أوجبت التمديد له عامين آخرين بتوافق الأحزاب السياسية. وقبل إبريل/نيسان 2011 اندلعت الثورة الشعبية وأخذت الأحوال منحى قاد اليمن إلى مبادرة قدمتها دول الخليج لإخراجه من بحيرة الدم. وهذه المبادرة التي وقعها صالح نقلت السلطة إلى نائبه بانتخاب مباشر أعطى رمزية الرضا الشعبي. وكذلك انتقلت شرعية رئاسة الدولة من الدستور إلى المبادرة الخليجية إلى أن يتم الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد الذي أعده مؤتمر الحوار الوطني.
على هذا فقد كان من حسن السلوك السياسي ومن حسن الأخلاق أن يتأسس المجلس الرئاسي المعلن في صنعاء على ثورية ناقصة دون إلباسه غطاءً قانونياً ممزقاً، فهم لم يجمعوا سوى 46% من الأعضاء لا تصلح للتصويت على قانون وليس على تغييرات تمس جوهر النظام السياسي. إن في ذلك استفزازا كبيرا للعقل وإهانة فاحشة للضمير، أقصد ضمائر النواب الذين وضعوا وجوههم تحت عدسات التصوير.
نقلا عن الخليج الاماراتية