هل أدار إسماعيل ولد الشيخ لعبة تبادل المواقف بين طرفي المشاورات اليمنية؟
هذا ما جرى فعلياً وفي فترة وجيزة.
قبيل عيد الفطر المبارك كان ولد الشيخ أطلق ما سمي خطة الأمم المتحدة في شأن اليمن، حيث لم تكن خطوة إلى الأمام بل قفزة على الأولويات بمرجعياتها، ومن ذلك قرارات الشرعية الدولية، الأمر الذي أدى إلى موقفين متناقضين، الانقلابيون رحبوا، وبحماس أعلنوا استعدادهم للتوقيع عليها، والحكومة اليمنية رفضت تلك الخطة التي كانت أقرب إلى وضع الحصان أمام العربة في تغطية دعائية من أن السرعة ستكون بوتيرة عالية، لكنها توقفت وانتهت ليبدأ ولد الشيخ بإطلاق خطة بديلة خلت من تشكيل حكومة كما يطالب الانقلابيون جعلها أولوية.
في شأن هذه الخطة البديلة اختلف موقف طرفي المشاورات، فوفد الحكومة أقدم على التوقيع على الخطة، ولم يذهب إلى ذلك بحماس بل بتروٍّ، وتحمل الكثير من الضغوطات وغادر محطة المشاورات الكويت، بانتظار ما ستذهب إليه لقاءات ولد الشيخ ووفد الانقلابيين أو نفاد المهلة التي حددها لهذه العملية، لكنه بادر وعلى لسان نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية عبدالملك المخلافي إلى تسمية الأمور بأسمائها أثناء تداول ما جرى مع رئيس الجمهورية، إذ قال، إن الخطة «لم تكن في واقع الأمر ملبية لطموحات وتطلعات الشعب»، لكنه استدرك التفسير لقبول الخطة والتوقيع عليها قائلاً: «إن حرص الرئيس لتحقيق السلام كان دافع الجميع نحو ذلك» حسب تعبيره.
قد يكون مناسباً الآن الإشارة إلى بعض الأمور المرتبطة بالمشاورات التي انتهت في الكويت، إذ اللافت أنه كان هناك تعاملات مختلفة.
اتسم عمل الوفد الحكومي بالمثابرة والصبر والجدية وتحمل المسؤولية في شأن وضع نهاية موفقة لنزيف الدم والمعاناة الأليمة التي يعانيها اليمنيون جراء الحرب التي فتحها الانقلاب لا على الشرعية الدستورية والعملية السياسية في المرحلة الانتقالية بقواعدها وأبرزها المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني التي كانت مفتوحة على إعادة بناء اليمن الجديدة وحسب، بل على حياة اليمنيين في بلدهم وبيوتهم وعلى مصير اليمن في كيانه ومكوناته.
في المقابل أدار الانقلابيون مشاوراتهم من زاوية سيطرتهم على مؤسسات الدولة واحتلالهم مناطق، وجعلوا من هذا الأمر قضيتهم الأولى والأخيرة بما ترتب على ذلك من اندفاع لأطراف إقليمية ودولية تأتي إيران في الأولوية.
بين هذا وذاك كان دور الأمم المتحدة بما يقوم به ممثل أمينها العام يتسم بالرمادية، الأمر لم ينجم عن الحياد، لأن الأمور المطروحة للمشاورات واضحة، هي في الإجمال إنهاء الانقلاب ومترتباته، وإعادة الوضع إلى مجرى العملية السياسية بفترتها الانتقالية.
من هذه الحالة فوجئ وفد الحكومة اليمنية بخطة ولد الشيخ التي رحب بها الانقلابيون، ما يعني أن القفزات والتراجعات لولد الشيخ ليست قاصرة على «ترويض» طرفي التشاور بل إنه يمضي بهذه اللعبة باتجاه أن تصل الأمور إلى فرض توجهات دولية قد تكون قريبة أو شبيهة بما جرى في شأن الأزمة الليبية.
في المقابل كان الانقلابيون الذين تحمسوا للحظة الأولى إعلانياً وإعلامياً وضعوا في اعتبارهم توقع ما قد يغير الأمور، ومن هذه الزاوية جاء إعلان التحالف الانقلابي المكون من الحوثيين وصالح إقامة مكتب سياسي يدير أمور البلاد، وهم لا يستبعدون أن يكون ورقة في شأن مطالبهم وأبرزها أن تكون ولادة الحكومة الأولوية التي يراهنون عليها لتأمين سيطرتهم على أجهزة ومؤسسات الدولة ومرافقها، والتي جرت في الفترة العبثية التي استباح فيها الانقلابيون المال والوظيفة العامين، وكما لو أنها غنيمة.
لم يتح الاطلاع بشكل دقيق على ما قدمه إسماعيل ولد الشيخ أحمد في تقريره لمجلس الأمن، لكن خروج اليمن من الحرب المدمرة والأزمة المتفاقمة يبدأ بالخروج من دوامة اللعبة الأممية التي دارت على هذا البلد من خلال شراء الوقت وإهداره.
هنا يمكن القول، إذا ما استنفد الموعد الذي حددته الحكومة اليمنية ذات الشرعية الدستورية، فإن أمامها العمل تجاه الأمم المتحدة؛ لمطالبتها بتنفيذ قراراتها حول الأزمة اليمنية.
إن أحداً لا يريد أن يقوم ولد الشيخ بعمل هو من واجبات غيره، لكن استقامة دور الأمم المتحدة يبدأ بالتمسك بميثاقها، والعمل على تنفيذ قراراتها.
كان دور الأمم المتحدة بما يقوم به ممثل أمينها العام يتسم بالرمادية، الأمر لم ينجم عن الحياد.
نقلا عن الخليج الاماراتية