تنزع السياسة والصحافة اليمنيتان إلى تبسيط القضايا حد التسطيح وغربلتها لإبراز جانبها السهل القابل للترويج واستقطاب تأييد السياسة الدولية والإقليمية.
في المحنة اليمنية الحالية مثال على ذلك, إذ يختزل الساسة المتحلقون حول الرئيس عبدربه منصور هادي والصحافة التي ما تزال محتفظة بصوتها كل السياسات الفظيعة التي يقترفها حلف علي صالح وعبدالملك الحوثي بحق البلاد ومواطنيها إلى "الانقلاب على الشرعية".
كذلك, تربط السياسة والصحافة, المقاومة الشعبية المسلحة ضد القوات الغازية في أكثر من منطقة بالشرعية فحسب, وتسقط الدوافع الجوهرية التي ألجأت المواطنين إلى حمل السلاح للدفاع عن كرامتهم الجمعية قبل أي دافع آخر.
بصرف النظر عن أن الانقلاب جرم دستوري, إلا أنه في الحالة الراهنة نقطة صغيرة في محيط هائل من الويلات التي جاء الانقلاب تتويجاً لبعضها ومقدمة لبعضها الآخر.
ولم يكن الانقلاب بدلالته السياسية سوى خطوة تطلبها إدراك صالح والحوثي أن انتزاع السيادة السياسية هو وحده ما يشكل إيذاناً مدوياً, غير قابل للتشكيك, بأحقيتهما في الهيمنة والتسلط على إرادة الشعب ومقدراته, وإلا فقد كان في وسعهما اقتراف ما يقترفانه الآن مع الإبقاء على هادي رئيساً في قصره بصنعاء مثلما فعلا من قبل في دماج وعمران وصولاً إلى إخضاع العاصمة يوم 21 سبتمبر 2014.
فلو كان ما يحدث مجرد انقلاب على السلطة السياسية ما احتاج متزعماه إلى إشعال نار الحرب في عتمة والعدين وحيفان والقبيطة وعدن وحجة والجوف ومارب ودمت وأصقاع أخرى من البلاد.
اختزال القضية اليمنية إلى "شرعية وانقلاب" ينزع عنها جوهرها ويحتويها بالتنميط الجاهز ويحجب مضامينها الأصيلة لمصلحة أحد أوجهها, فهو يستبدل واجهة القضية بخلفيتها؛ بدفعه لجزئية الانقلاب السياسي إلى الواجهة وإعادة القضايا التي كللها الانقلاب إلى الخلف فيترتب عن ذلك إغفال سياسات التهجير ومصادرة الملكية الخاصة والقتل الجماعي وتدمير العلاقات الأهلية وقواعد السلم الاجتماعي وتجريد أضخم اعتداء على الشعب بغية إجباره على التسليم بحق قتلته في التسلط والهيمنة.
لذا لن يكون مفاجئاً أن الحلول المطروحة لمعالجة الانقلاب بما فيها الواردة في قرارات مجلس الأمن قد تنهي مظاهره الرئيسة وتضمن أمن الجوار وتعيد تقسيم السلطة بأحجام جديدة في حال تنفيذها كلية, لكنها لن تعالج جذور المعضلة ولن تزيح أعداء الشعب من طريق مستقبله.
ومجدداً, يبرهن استخلاص مثل هذا على أن الحل الحقيقي معقود بسواعد اليمنيين.
* نقلا عن صفحة الكاتب