التحوّل والبناء، الذي يجري في السعودية، مُثير للاهتمام، لكن بقدر إثارته للاهتمام يقدم صورًا شديدةَ التناقض في جوانب أخرى.
في الواقع، تقدّم السعودية صورَتين متناقضتين، بشكل فج وصارخ؛ ثمة تنمية ونهضة باذخة وواضحة للعيان، ولا أحد ينكرها.
وفي الطريق الموعود هذا، هناك عملية إنشاء لمشاريع ضخمة، يبدو أنها ستغيِّر صُورة المملكة على وجه الأرض.
ستجدون في هذا المقال نموذج ما قيل إنه "أضخم حديقة في العالم، تم بناؤها وسط قلب الرياض"، وهي واحدة ضمن مشاريع أخرى عملاقة، تصيب الناظرين بالذّهول.
في الصورة الأخرى، يجري بناء أطول بُرج في العالم بمدينة جدة الساحلية، حيث وقّعت شركة "جدة" الاقتصادية مع شركة "بن لادن" اتفاقية استكمال بنائه، حيث يبلغ طوله نحو ألف متر.
"انظروا إلى هذه الصورة".. هكذا يُقال لنا أن ننظر إلى المملكة من هذا الجانب، وهي صُور مُذهلة وفارقة للأمانة، فثمة كثير من مشاريع التنمية في مجالات متعددة.
نحن في اليمن، وفي الوطن العربي الكبير، نهتم لهذه المشاريع العملاقة، ونعدها رصيدا عظيما لشيء نفتقده في بلداننا، التي سقطت في مستنقع الخراب والدّمار المُريع.
لكن المشكلة في السعودية دائمًا هي سياستها الخارجية.
على اليمنيين أن يدركوا أن المملكة دمَّرت بلدهم، وأوقعته أرضا ليس بالمال وحده، الذي كان يتخذه البعض قضية قابلة للجدل والنقاش فيما مضى.
السعودية -على مدى السنوات الأخيرة- صبت أطنان أسلحتها على الأراضي اليمنية، وتدخلها -هذه المرّة- لم يكن بالمال وحده.
لقد كان تدخلا عسكريًا فجًا وخشنًا من الجو ومن البر والبحر، وعمّقت مأساة اليمنيين بدعم عودة الإمامة، وأنشأت المليشيات المسلّحة، ودعمتها بالمال والسلاح.
نحن معنيون ببلدنا فقط، ويوجد الكثير ممّا نقوله عن جرائمها المباشرة، وليس عبر شراء النُّخب والسياسيين المتملِّقين.
انتهازية النُّخب وفساد الحُكام، سنصمت أمامهما؛ لأنهما يتعلقان بفسادنا الكبير، والعار الذي جلبه هؤلاء على البلاد.
عربيا، وإن كانت الصّورة لا تتعلَّق بنا مباشرة، انظروا إلى ما يجري من أهوال في غزة.
تساءلوا -كإنسانيين وليس كعرب ومسلمين- أين تقف المملكة، ونخبتها، ووسائل إعلامها ممّا يجري؟
ليت هذه النّخب والوسائل انكفأت على مملكتها، وعظّمت ما تقوم به من مشاريع، كمجال للتفاخر أمام الآخرين فحسب، بل وفوق ذلك هناك دعم وقح ومُخجل لكل مشاريع التقسيم والتّمزيق في البلدان العربية، وتَشَفٍ بصُور الضحايا والأشلاء.
ربما حقيقة أخرى غائبة عن بعض الناشطين المحترمين في مواقع التواصل الاجتماعي، وهم يتساءلون بضجر عن ما إذا كانت الصّحف السعودية قد تحوّلت إلى صحافة ناطقة بالعبرية؟
هذه الحقيقة قد تبدو صادمة لبعضهم، خاصة لغير الناشطين المهتمين والمتابعين، وهي أن صحافة إسرائيل أكثر تقديرًا وتبجيلًا واحترامًا للدّم الفلسطيني.
الصحافة العِبْرية تصِّور نتنياهو كمجرم حرب، وتُدين جرائمه في غزّة، رغم محاولاته الجاهدة لترميم كيانِهم المهتَرِ، جراء حدث 7 أكتوبر.
كما تقدِّم صُورة واقعية لما يجري، بل وكثير من المجازر كانت سباقة إلى الكشف عنها، ولا تبدو متشفِيّة بمجازر الدَّم وصُور الأشلاء.
عليكم أنتم جميعا أن تنظروا إلى هذه الصّورة جيدًا، فهي أيضا الوجه الآخر للمملكة مقابل صُور التنمية والأبراج، وكل وسائل جلب الرفاه عديمة الرَّحمة والإنسانية.
من المؤكَّد أن المملكة ستجبِي ثمنًا باهظًا لهاتين الصُّورتين المتناقضتين.. سننتظر.