شخصية الرئيس هادي بحاجة إلى دراسات معمقة. دراسة سيكلوجية لمعرفة الأسباب النفسية التي دفعته لتحطيم الدولة، وتسليمها إلى قبضة مليشيات متنافرة في الشمال والجنوب، متواطئا مع دول إقليمية ودولية.
هذه الدراسة مُلحة؛ لأنها ستكشف لنا عن جوانب جديدة من صفات سيكلوجية الشخصيات التي تتولى مهام قيادية في بلدانها، خلال مراحل مفصلية من التاريخ.
ظل هادي يشكو من التهميش لمدة 18 عاما قضاها نائبا لصالح في الظل، رغم دوره المحوري في حرب صيف العام 1994.
بعد 18 عاما، لاحت فرصته الذهبية لتولي الحكم بدفع شعبي غير مسبوق، ودعم خارجي كبير، لكنه اختار الجانب السيئ من التاريخ.
خلال سنوات قليلة، أشرف على تدمير ما تبقى من البنى الصلبة للدولة، وبدلا من الانتقام ممن ظلمه وهمّش دوره، استدعى لوثة الإمامة، والخصم المبين لتطلعات اليمنيين وتضحياتهم، خلال حقب التاريخ.
بعيدا عن صالح ومؤامرته الواضحة في هذه النتائج. الرجل كانت لديه الأسباب المكشوفة لجموع الثائرين الذين خرجوا عليه خلال العام 2011.
بالنسبة لهادي، هناك تساؤلات كثيرة حول الأسباب النفسية الدفينة التي قادته إلى سلوك هذا الطريق الانتقامي المريع.
كما لم تكن منطقية نزعاته المبطنة لصالح الحوثيين، ولا حالة استلابه القاتل في قصر الستين بصنعاء.
ما الذي كان تخفيه روحه حيال أنفس بريئة؛ أزهقت أرواحها وهي تلوذ عن أسواره في قصر الستين، وبصدور عارية؟
لماذا هلل لمقتل القشيبي بتلك الطريقة الشنيعة، ونطق عبارته الشهيرة: "إن عمران قد عادت إلى حضن الدولة؟".
لماذا رقصت حراسته الشخصية فرحا بسقوط صنعاء، ومعسكر الفِرقة؟
أنا حتى لا أدري كيف البعض يحسبها، عندما يتعلق الأمر باستحضار مكارثيته في الحكم، حين يردد القول: "يكفي أنه فكك مراكز قوى الهضبة".
هؤلاء يظنون أنهم في صراع مع من يعتبروه خصمهم اللدود لبناء دولة مدنية؛ كأنّ هؤلاء لا يدركون الفرق.
هادي الكارثة ثبّت ورسّخ أسوأ نسخة حكم في التاريخ. الدولة قبله، وربما مع تطورات الصراع، كان يمكن أن يفرز حكومة مدنية، لا تدين بالولاء إلى أي من مراكز القوى، التي أعاقت بناء الدولة.
ما فعله هادي أنه انتقم من الجميع، وحتى من ذاته، وجلب العار إلى غرف نومه.
لاحقا، وبدون خجل، أضحى يتحدث عن قصص وبطولات وهمية لهروبه من صنعاء إلى عدن، ومن ثم إلى فنادق الرياض.
على مدى تسع سنوات، وعقب استدعائه لتحالف شرير لتدمير البلاد، ألقت المقاتلات السعودية والإمارات حمولتها وترسانتها الضخمة من صفقات السلاح على البنى التحتية ودمّرتها، ولم تقتل أو تصيب هدفا حوثيا حيويا.
ابتهج هادي كالعادة، وظل يصدر القرارات الجمهورية؛ لكي توفر مناخ التدخل وهندسة الجغرافيا.
جنوبا، لم ينفع حتى أهله، عندما سادت اعتقادات بأنه منخرط في مهمّة لتفكيك مراكز قوى الشمال لصالح الجنويين.
بالعكس، ورّث لهم صراعا لا ينتهي، وباعد بين مشروعهم لتحقيق الانفصال، كما استدعى لهم -ولليمنيين عامة- مليشيات أخرى وأطماع دول بأجندات متباينة.
نحتاج إلى زمن لنضوج ظروف ومتغيّرات جديدة في المنطقة تدفع هذه الهجمة والأطماع، بعيدا عن ثرواتنا وأراضينا.
ربما لسياسات خليجية منكفئة إلى مشاكلها الداخلية، عندها يمكن أن نلتمس طرق العبور إلى آفاق جديدة.
الخلاصة: إن ما خلفته سياسة هادي الكارثية شيء مريع على كل المستويات، وإرث عميق من الدّمار والفوضى.
وأنتم تتأملون خارطة الخراب وجغرافيا الصراع، يجب أن لا تنسوه من صالح أعمالكم ودعواتكم، خاصة في هذه الليالي القاسية والأليمة.