لم أكن أتصور يوماً أن يحتكم الناس في عدن للعرف القبلي، فالمدينة التي عرفت الدولة ومؤسساتها المدنية منذ سنوات ومثلت خلال عقود مضت أنموذجا في الانضباط والامتثال لأحكام القانون، تحولت اليوم إلى قطعة جغرافية ملتهبة يحكمها قانون الغاب..!
فمنذ مرحلة ما بعد التحرير غيبت الدولة ومؤسساتها وبرزت كيانات مسلحة تعمل بعيداً عن الأجهزة الأمنية، وبفعلها تحولت المدينة إلى ساحة صراع مفتوحة، فلا تمر فترة من الزمن دون أن تشهد مواجهات دامية بين الرفاق هنا وهناك..
في عدن لا تتعجب إن أغلقت الشوارع والمدارس وشُلّت الحياة العامة لخلاف شخصي بين هذا وذاك، فالعناصر المسلحة تتصارع ليل نهار لأتفه الأسباب...! وتذهب حينها لاستدعاء البعد المناطقي على حساب مصلحة عاصمة الدولة اليمنية المؤقتة..
في عدن يكفي أن تكون على علاقة جيدة بقائد إحدى الكتائب لتحيل المدينة إلى ساحة صراع، مع كل مشكلة شخصية تواجهك، فتشوا عن الأسباب الخفية وراء كل معركة دامية شهدتها المدينة وستدركون صدق ما أقول..!
بالأمس شهدت المدينة تحكيماً قبَلياً بُغْية إنهاء قضية مداهمة منزل قائد بقوات العمالقة كان قد تعرض منزله للمداهمة من قبل قائد قوات الطوارئ بالمنصورة، أفضى الصلح القبلي إلى إغلاق ملف قضية واحد فيما لا تزال مئات الملفات بانتظار عودة مؤسسات الدولة، بعد أن عجزت التشكيلات المسلحة -التي شكلت بمبرر حماية المدينة وضبط الأمن والاستقرار- عن تأمين عودة مرفق حكومي واحد للعمل فضلاً عن بقية مرافق الدولة المعطلة بفعل فاعل لا يريد للدولة الحضور أو العودة...!
لقد أضحت هذه التشكيلات والجماعات المسلحة سبباً رئيسياً لتأزيم الأوضاع الأمنية والانفلات الحاصل في هذه المدينة اليمنية التي لطالما كانت الأكثر قرباً للمدنية والتحضر..
سنوات ثمان وما يزيد من الفوضى والعبث في مدينة صارت أسيرة عصابات وتشكيلات مسلحة، وجودها وبقاؤها خطر يهدد الأمن والسلم المجتمعي، فلم تعد تلك التي عرفت ذات يوما بمدينة التسامح والتعايش.
كل ما نريد قوله هو أن التشكيلات المسلحة التي شكلت عقب تحرير عدن كان يمكن أن يكون لها دور في حماية المدينة وتعزيز الحضور المؤسسي للدولة، لكنها وبلا تردد ذهبت خلف رغبة الكفيل، وسال لعابها للمال السياسي المتدفق من الخارج، لتعبث بالمدينة دون أدنى شعور بالمسؤولية.