صدمتُ من عدد المشيعين في جنازة وتشييع الشاعر الراحل أحمد الجابري في صنعاء اليوم.
عدد وحضور لا يرقى لمستوى مكانة وعظمة ما قدمه الجابري لليمن فنا وأرضا وإنسان، في مسيرة امتدت لثمانية عقود، كانت مليئة بالفن والغربة، ونقاء الكلمة، والتعبير الحي المباشر والصافي عن الحب، والوطن، والغربة، والأشجان.
يحصل هذا في صنعاء التي عزى مجلسها السياسي التابع للحوثيين برحيل الجابري بتعزية نشرها في إعلامه الرسمي، ثم لم يبدي اي اهتمام، ولكن فقط لزوم النشر الصحفي، والاستعراض العابر.
اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين عزى هو الأخر برحيل الجابري في صنعاء، ولو حضر أعضاء الاتحاد القاطنين في صنعاء جنازته لكان العدد أكبر بكثير ممن حضروا، لكن أعضاء الاتحاد وهم زملاء الجابري هم أيضا في حالة شيخوخة قاتلة وخور وعجز مبين.
ثمة شيء مريب وغريب تجاه الأمر، لماذا هذا الحضور الضعيف، ولماذا لم يلق الجابري حقه من التحشيد والتشييع؟ وأين دور الجهات المختصة والمهتمة بهذا الأمر؟
الجابري كان يمثل اليمن واليمني في سيرته ومسيرته، مسيرة الغربة والحسرة على بلد يضيع، وعلى ضيق المكان بأهله، ولد في عدن وعاش في تعز، وتنقل في أجواء من الغربة، يشبهنا ونشبهه في هذه المعاناة المشتركة.
لكنه قدم أعمالا خالدة ستظل مغروسة في الذاكرة اليمنية، وإن لم ينصفه هذا الجيل المتنكر فحتما ستنصفه الأجيال.
قال الشاعر في إحدى قصائده:
ليَ النجوم وفي داراتها رَقصتْ
روحي على كفِّها في ضوءِ مُتَّقِدِ
رحل الجابري غريب ووحيد، في زمن هو الأردى في التاريخ اليمني، وفي ظل نخبة حاكمة هي الأكثر رداءة وانحطاط.
رحل الجابري وهو لايزال يخاطب الطير: طير مالك تشتكي قلي أنا مثلك غريب.
وداعا أحمد الجابري، وداعا شاعر الذات والأشجان والمكان والغربة.
سنصلي عليك في كل القلوب التي خاطبتها في "إيش معك ياقلب"، وسنشيعك في كل الأرواح التي سلبتها وأنت تتحدث "عن هوى الأيام" ، وسنسير معك في "عالم سيري"، وسنعود معك في "والله ما أروح إلا قاهو ليل"، وسنرضى معك بالقسمة والنصيب" وسنشعل القناديل التي أوقدتها لأجل اليمن، وسنذكرك مع "عاشق الليل"، ونداعب سويا :"عناقيدك الملونة".