وفق مسوغات واقع الحال في المشهد اليمني بعد هدنه طويلة وفشل دولتي التحالف تدريجيا وبصوره تراكمية منذ انسحاب ميلشيا الحوثي من عدن منتصف العام 2015 وكان المؤمل ان تعود الشرعية الى عدن وفي نهاية عام بداية الحرب أي بعد بضعة اسابيع من ما يسمى بالتحرير بالعاصمة المؤقتة.
تزامن ذلك وترافق مع تنامي الحركة الانفصالية بدعم التحالف بطرفيه وليس فقط دولة الامارات ولكن في العام المنصرم 2023 بداء يتضح خلاف طرفي التحالف في الاسلوب وليس في المبدى فكلاهما ينكلان باليمن ويسعيان لتشرذمه الى كانتونات متناحرة وفي احسن الاحوال تشطير اليمن.
ومنذ اقرار الهدنه الطويلة لنحو عام ونصف والتي تخللها اختراقات لميليشيا الحوثي ترافقت تلك الحقبة منذ ابريل من العام 2022 جملة تطورات على المستوى المحلي والاقليمي وسوا كانت عسكرية او سياسية منها اعادة هيكلة مجلس الرئاسة وخلع الرئيس هادي وتشكيل مجلس خارج الحدود اليمنية ولا زال يمارس اعماله خارج اليمن، وبداهة فاللازمة والحرب في اليمن منذ تسع سنوات تعقدت بمرور الوقت فكلما كثر اللاعبين في المشهد السياسي سواء من المحليين اواطراف خارجية .
ويرجع ذلك إلى طبيعة الحرب، التي هي خليط غير متوازن من الحرب الأهلية والإقليمية والتدخلات الدولية. فالصراع القائم في اليمن والعمليات العسكرية والمبادرات الديبلوماسية الجارية ليست تعبيرًا عن صراع داخلي مستقل قائمًا بذاته، وإنما يمثل وجهًا من وجوه صراع مركب متعدد الأطراف، تتداخل فيه مصالح إيرانية وأميركية وسعودية وإماراتية وخليجية وغيرها، كما تتداخل فيه عوامل طائفية وثقافية وسياسية وجهوية من جانب آخر.
بدأء العد التنازلي لمؤشرات عزل هادي منذ عام 2019 عندما منع الانتقالي هبوط طائرة المخلوع عبد ربه منصور هادي في مطار عدن و عاد للرياض ليواصل سباته حتى خلعة كما هو معلوم في ابريل من العام 2022، استمر غياب الشرعية عن العودة للعاصمة " المحررة" وتركة طرفي التحالف ولاسيما الامارات بتنفيذ اجندته عبر ادرعته المحلية الانفصالية بالتثبيت والتمترس ومحاولات التوسع على خطى الانقلاب الاصلي في صنعاء الذي تجذر بإيحاء من دولتي التحالف حتى اليوم و" الشرعية" لم تتجزأ للعودة الى عدن لا نها بوضوح محتلة من قبل احد طرفي التحالف وغدت معظم اسر قادة الانفصال تعيش رغد العيش في دولة الامارات والشعب يتضرر جوعا.
أما جزيرة سقطره فحدث ولا حرج، وتحتاج مقال منفصل ومفصل وسنكتفي ان التحالف من يفترض انه نكل باليمن بمسوغ استعادة الدولة فقد جعل من اليمن عدة كيانات ستكون نواة لتناحر "يمني يمني" مستقبلا لكن ستختلف عن ما حدث لم تعد شماعة الحرب على العدوان !
ومما يلاحظ ان عدن وجوارها انتقلت من احتلال العجم الى احتلال الاقربون العرب ومن نفوذ ايراني عبر اذرع محلية الحركة الحوثية الى ما سمى بالانتقالي وهو الواجهة الابرز للانفصاليين الذين يتمنون استمرار الحوثي ليسهل لهم تأمرهم !فبدلا من تحرير اليمن من اذرع ايران الذي حصل استنساخ انقلاب اخر في اجزاء من جنوب اليمن والشرعية لا تحرك ساكنا وازدادت وهنا على وهن وغدت مرتهنة تماما لا حول لها ولا قوة.
ينتهي هذا العام بتطورات مهمه منها الحاح السعودية للانسحاب من مستنقع الحرب التي تورطت فيها بتفاهمات مع الحركة الحوثية بمعزل عن الشرعية التي غدت الطرف الاضعف بين الفاعلين في المشهد السياسي والعسكري في اليمن.
وفي تفاصيل المفاوضات لنحو عام كامل وتبادل الزيارات بين الرياض وصنعاء واصلت حركة الحوثي تشددها تجاه الطرف السعودي وكانت متشددة واغلبها كان في صالح اليمن لكن سال لعاب قيادات الحوثي لاغرأت الطرف الاخر الذ اغدق على الطرف اليمني المتمثل بالحوثي بوعود وبنود في تفصايل اقتصادية مقابل تنازلات حوثية ووعود بضمانات للطرفين من قبل وقى اقليمية مثل عمان ودولية منها تأسيس منطقة عازله في الحدود اليمنية السعودية وتدمير الاسلحة الاستراتيجية صواريخ وطائرات مسيرة الخ.
وفي الجملة تناولت المفاوضات في اغلبها قضايا انسانية "المرتبات" "الاسرى" "المهجرين" "حرية التنقل" خاصة محافظة تعز وتسهيل مهمات المنظمات التي تتولى توزيع المساعدات، وهناك بنود مهمة خطيرة يترتب عليها مستقبل اليمن وقد تكون نواة لمشاكل مستقبلية قد تنفجر في أي وقت وهي مسالة التعويضات للدمار الذي خلفته حرب التحالف وهي اكثر من تدمير حركة الحوثي في اليمن وكان الطرف السعودي ولتكؤ ومراوغة وفد الرياض في تلك المفاوضات لجاء لفكرة جعل من نفسه وسيط في أي حلول مستقبلية وهذه فكره خطيرة لمستقبل اليمن وهي قد تعفي الطرف المعتد لتسع سنوات من تعويضات تقدر بعشرات المليارات.
بينما الطرف المقابل اليمني والذي يمثله الحوثي هو الاخر يراوغ ويلمح بتنازلات والقبول بالطرف الاخر أي السعودي بأنه وسيط مقابل ميزات ماليه كبيرة للحركة الحوثية والاهم شرعنتها وتنص بنود خارطة الطريق ان تشارك الحركة الحوثية في ترتيبات الفترة الانتقالية التي قد تستمر عدة سنوات وعلى مراحل.
الخطير أن انقلاب الحوثي الذي تسبب في كل ما حل باليمن لنحو عشر سنوات منذ سقوط صنعاء ونزوح وشريد ما يقارب الثلاثة ملايين داخل اليمن سواء في مخيمات او لدى ذويهم في أماكن أكثر أمانا، ونحو أكثر من مليون يمني نزحوا لخارج اليمن منذ اندلاع الحرب في مارس 2015 ناهيك عن قتلى الحرب من الطرفين والاف من المختطفين الاسرى في سجون ميلشيا الحوثي والذين اخرجوا من بيوتهم للسجون وليس من ساحات المعارك.
تدمير المنشأت الصحية والتعليمية ومشاريع تنموية ومؤسسات حكومية وبيوت المواطنين سوا من قبل حركة الحوثي او التحالف فكلاهما تنافسوا بالتنكيل باليمن بمرأى من الشرعية المرتهنة اضعف حلقه في المشهد اليمني.
وفي جردة حساب لمجموع الخسائر الاجرامية يلاحظ التالي :
* نجح الحوثي إلى حد كبير في تنميط الحرب بأنها بين اليمن والسعودية وليست بينهم وبين الشعب .
* نجح الانتقالي أو يكاد بتحويل الصراع إلى شمالية وجنوبية وبأن حل يكمن في حل الدولتين !.
* نجحت السعودية في تجذر وتموضع الحوثي وإضعاف الحكومة الشرعية فبداهة فإن قوة ميليشيا الحوثي هي من ضعف الطرف الآخر.
* نجح التحالف وبصورة متزايدة في زرع اليأس وحالة القنوط لدى الشارع اليمني وجعل اقصى أمنياتهم أن تضع الحرب أوزارها فقط مجرد توقفها ، وعودة المرتبات والذي لم يعد يساوى شئ بعد انهيار العملة الوطنية، وبداهة فالحروب ليست أزلية وأبدية .. فأي حرب لا بد لها من نهاية لكن الحكمة والمنطق ان يؤسس لسلام مستدام وليس فقط انقاذ للحوثي وشرعنته بعد كل هذا الدمار وخروج الطرف السعودي من مستنقع الحرب التي تورطت بها مع قرينها دولة الامارات، والرأي العام اليمني يأمل بعد صوم طويل لتسع سنوات الا يفطر ببصله وهذا للاسف يسوغ لمقولة حرب تلد أخرى.
*أخفق التحالف في جعل المناطق المحررة ومنها عدن نموذج يُقتدى، وعليه فلسان حال الشارع في المناطق المسيطر عليها الحوثي كيف نطالب بالتحرير بمشاركة التحالف من أجل نموذج فاشل أمام أعيننا في عدن ونجح الحوثي بتأكيد مقولة نار صنعاء ولا جنة عدن، ويتمثل هذا في نموذج أمني أو الأمن الغذائي النسبي أو سعر العملة ونحو ذلك.
* نقل التحالف مسرح الحرب من محافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثي إلى ما يسمى بالمحافظات "المحررة" وإلا ما معنى وجود جيوش جرارة في المهرة وسقطرى التي لا تعرف أي تواجد حوثي.
* تمكن التحالف من شرعنة الانقلاب المستنسخ وفي طور شرعنة الحوثي بالتماهي مع الانقلاب الآخر فكلا الانقلابين يدعم أحدهما الآخر سواء كان بتخطيط او في المضمون والعبرة بالنتائج.
في المقابل استطاع التحالف أن يضعف الشرعية وساند في تآكلها، وهي الضعيفة أصلا، فكلما زاد بقاء الشرعية خارج الوطن كلما زاد الارتهان والعمالة.
* فشلت الشرعية المرتهنة بسبب طول البقاء خارج اليمن وفي الدولة التي تنكل باليمن على مدار الساعة بمسوغ استعادة الشرعية وطي صفحة الحوثي ولكنها كما سبق ذكره قد ايدت انقلاب مستنسخ بل وفرضت مشاركته في جسد الشرعية لينخرها من الداخل وتزداد ضعفا ووهن وفشل.
* زادت قناعات بعض السذج بأن السعودية غير الإمارات وبأنها لا تفضل الانفصال والتشرذم والحال هو العكس والفارق بين الرياض وأبوظبي في تفاصيل محدوده ، وبداهة كلاهما يتفقان في التنكيل باليمن.
* تعمد التحالف في انهيار الاقتصاد بعدة طرق أهمها حرصه على عدم تصدير النفط والغاز وبقية الصادرات من زراعية وثروة سمكية، كما كان الحال قبل الحرب ليبقى الشعب اليمني يطالب الفتات من دولتي التحالف.
ودليل تخبط الشرعية ومن وراءها التحالف هو انهيار العملة اليمنية وغلاء الأسعار واستمرار انقطاع المرتبات لأكثر لنحو ثمانية أعوام.
* يؤسس التحالف لخلق "كانتونات" متناحرة وأغلبها تحت مظلة التحالف رغم الاختلافات بين هذه المكونات مثل شرعية مأرب وقوات الساحل الغربي والانتقالي متناحرين ولكنهم تحت عباية الرياض.
كانت أحداث غزه منذ السابع من شهر اكتوبر المنصرم فرصة للحركة الحوثية للعب دور ديماغوجي لتقوية نفوذها داخليا وإقليميا، بخلط الاوراق بحشر قوات ميلشيا الحوثي في البحر الاحمر باستهداف عدة سفن بل والوصول لقصف مدن داخل فلسطين المحتلة.
استمرار المفاوضات على هذا النحو يمثل خيانه لليمن وسقوط الاحزاب والكيانات السياسية التي تعتبر محلل لهذا العبث والاجرام ، ولعل أكبر عائق للسلام مستقبلا هو بقاء السلاح بأيدي مجموعات محلية تقبل بالتسوية تحت ضغوط إقليمية سوى انقلاب صنعاء او عدن
وجراء تشابك مسارات حل الأزمة، فإن سيناريوهات المستقبل يلفها الغموض وتعدد الاحتمالات، سواءً من عودة الاقتتال أو التسوية السياسية وما بينهما من حلولز
*كاتب يمني وسفير في الخارجية