لم يشهد العالم مجزرة بكل هذا القبح والفجور والتعمد، مثل هذه التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، وهي تستهدف الأبرياء، بكل وقاحة، وخزي وعار.
كانت ردة الفعل اليهودية متوقعة، فهذه المجزرة هي امتداد لمجازر وحشية سابقة، ولكن ما أعقب هذه المجزرة، وما ولدته من تداعيات هو ما يجب التوقف عنده.
فقد أظهرت الجريمة وحشية إسرائيل وذكرت بمجازرها السابقة، وأكدت أنها تعمل ضد القوانين الإنسانية والدولية، وأنها الابن الطائش والمدلل للغرب وأمريكا في المنطقة.
وبنفس الوقت أدت هذه المجزرة لإحياء الروح العربية والإسلامية في كل البلدان، فتوحدت مشاعر العرب والمسلمين، وخرجت الشعوب منددة وغاضبة، رغم معاناتها وأوضاعها، ورغم كل المؤامرات التي حيكت ضدها طوال العقود الماضية.
بدا المسلمون جسدا واحدا، يحملون قضية واحدة، وانهارت بينهم عوامل اللغة، والجغرافيا، واختلاف الأنظمة السياسية التي تحكمهم، لقد أعاد هذا الفعل الروح للجسد العربي والأمة الإسلامية، وذكرهم بأعدائهم، وجعلهم يدركون موقعهم الفعلي، وحجم المؤامرات التي تحاك ضدهم.
أثبت المجزرة إن إسرائيل هي وراء كل الحروب والفتن والصراعات في المنطقة، وأن رغبتها بالبقاء محتلة للأرض الفلسطينية، يدفعها لاستهداف الشعوب والأنظمة العربية، وتغذية الصراع فيها، لتضمن سيادتها وهيمنتها المطلقة، وفي سبيل ذلك ظلت تحيك المؤامرات، وتتربص بالأوضاع من وقت لآخر، مستغلة الفرص لإحداث المزيد من الشروخ والجروح في الجسد العربي.
استفادت إسرائيل من الدعم الأمريكي والأوروبي الكبير والممتد منذ سبعين عاما، وظهر هذا جليا في المواقف الداعمة لها في هجماتها الأخيرة على غزة، وفي تعثر التصويت على وقف عدوانها في الأمم المتحدة، وتتالي بيانات التأييد لها في عدوانها على غزة.
اليوم تظهر إسرائيل كعبء على الغرب وأمريكا، وأثبتت إنها لم تتغير، وأنها ليست سوى نظام نازي، وأصبحت اليوم في واجهة الأحداث، وبدت عدوا مباشرا للعرب والمسلمين، الذين يشعرون اليوم أن عدوهم ليس إسرائيل فحسب، بل كل الدول المؤيدة لها، والممولة والداعمة والمتواطئة معها.
إن عدوان إسرائيل على غزة وارتكابها لهذه المجازر البشعة من شأنه أن يعيد التفكير في علاقات التطبيع معها، من الشعوب العربية التي بدت مؤخرا في حالة هرولة تامة نحو تل أبيب، بل إن ذلك سيصفر ويعيق تلك التحركات، وسيضاعف درجة الحذر والخطر في وضع اليد العربية بالكف الإسرائيلي المنغمس بالدم.
فعملية التطبيع اليوم أثبتت فشلها التام، مثلما ثبت فشل محطات السلام السابقة، والأنظمة العربية التي سبق لها التطبيع مع إسرائيل كانت شعوبها أكثر غضبا ونصرة لغزة، ما يؤكد مجددا أن إسرائيل تعتمد بشكل مباشر على الأنظمة التي ترتبط معها بعلاقات تطبيع متعددة الأوجه، أما بالنسبة للشعوب فهي غاضبة ورافضة لكل أشكال التطبيع.
اليوم تثبت أحداث غزة والعدوان الإسرائيلي الفاشي أن الأمة الإسلامية تفتقد لقائد يقودها، ويتقدم صفوفها، وأن المعاناة قد وصلت مداها، وأن العدو الذي ينبغي توجيه السهام نحوه هو إسرائيل، ومن يقف معها ويساندها.
وتؤكد أيضا أن الرفض لإسرائيل وكل وحشيتها وجرائمها لم يعد أيضا أمرا يخص العرب والمسلمين فقط، بل الملايين حول العالم، ممن أدركوا حقيقة هذا الكيان وأعماله وتدليسه، ولم تعد تنطلي عليهم المغالطات، والإعلام الزائف، والروايات المنقوصة.