الذين يسمحون لأنفسهم بالحديث عن استبقاء جماعة الحوثي المبني منهجُها على العقيدة القتالية الخمينية كائناً من يكونون ـ دولاً أو أفراداً أو جماعات ـ أقلّ ما يقال أنهم لا يعرفون خطورة الكارثة القائمة بوجود واستمرار الحوثيين فيتعاطون مع هذه المسألة بتسطيح بالغ الخطورة وإن كان أغلبهم حسنَ الظن والنية ولكن النية ـ بالذات في مثل هذه القضية ـ وحدها لا تكفي و " إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ".
إن عملية البناء النفسي للفرد العنصر في جماعة الحوثي مُصَمّمة بالأساس لجعله عنصراً قتاليّاً يتمثل عدائيةً مطلقة تجاه محيطه الإجتماعي والإنساني ، ولذلك فإّن دعاة استبقاء جماعة الحوثي على حساب أي طرف كائناً من يكون ليس لديهم الفقه الكامل لهذه الجماعة ، ذلك أنهم لا يدركون أن مجرّد سيطرة الحوثيين على المدارس لعامين إضافيين معناها أن يخرج منها ـ من ثلث إلى نصف مليون مقاتل فإذا امتدت سيطرته إلى خمس سنوات فهذا يعني إخراج مليون مقاتل على نفس عقيدة وقسَم خرّيجي النجدة الذين شاهدناهم في عرض التخرّج و هم يقسمون قسم الثورة الخمينية فرع اليمن .
وإذا كان مالا يزيد عن سبعة آلاف من المقاتلين المُطعّمين فقط بعناصر احترافية من من عيار الوسط في جانب التعبئة والعقيدة القتالية قد أشعلوا حدود مملكة من أوسع الدول حدوداً وأغناها في الإنفاق العسكري وتحت كثافة غير مسبوقة من حِمَمِ النيران ، وحاصروا شعباً بأسره من داخله في منازلهم أو مدنهم وتحت ضربات الطيران العالي التقنيّة فكيف سيكون الحال حين يصبح المقاتلون المحترفون ذوو العقيدة القتالية الثورية الخمينية بمئات الآلاف !!
إن من يراجع يوميات الحرب العراقية الإيرانية يُدرك تماماً طبيعة الإستراتيجيات والخطط البديلة للثوريين الشيعة حين يحشد الوَليُّ الفقيه عشرات أو مئات الآلاف من الشباب المؤمن بجنة الأئمة المعصومين ، ولا نزال نذكر ونقرأ في يوميّات تلك الحرب التي امتدّت فترتها أكثر من فترة الحرب العالمية الثانية واستغرقت في ثماني سنوات 65% من ناتج السلاح العالمي لتلك الفترة ، والشاهد الذي يعنينا هنا هو استراتيجية الأمواج البشرية التي كان خميني يطلقها باتجاه العراقيين حتى أن إحدى هذه الموجات بلغت في أسبوع واحد حسبما أعلن عنها خميني ربع مليون مجند معظمهم من طلاب الثانوية تم ضخّهم على عرض الجبهة الممتدة على الحدود ومناطق التماسّ والإشتباك مع العراق كانوا مزودين جميعهم بمفاتيح الجنان والمؤثرات العقلية والفسيولوجيّة !
ولقد كان من المُمكن لتلك الأمواج البشريّة التي أطلق عليها البعض أفواج يأجوج ومأجوج أن تجتاح منطقة الخليج والجزيرة والشام لو قُدّرَ لها ان تتجاوز عراق صدام ـ يومها ـ ولولا أنّ قدَرَ الله قيّض لها جيش الدفاع العربي الأعتى في تاريخ العسكرية العربية المعاصرة .
إننا ندعو إخواننا المعنيين في نخبة الثقافة والسياسة والقرار أن يعملوا على التواصل فيما بينهم وعقد لقاءات مستمرة لدراسة المسألة دراسةً شاملة وعميقة ليخرجوا بروية علمية وعملية تجاه هذا الخطر الداهم والمكر المُحيق ، و أن يغلبوا أمن البلاد والمنطقة والأمة في تعاطيهم مع هذه الكارثة الأخطر في تاريخنا الحديث وذلك بدلاً من التراشق والتناكف في وسائل التواصل التي لا تلبث بفعل الأنانيات النرجسية والأجندات الذاتية وضيق الافق أن تتحول من وسائل تواصُل إلى وسائل للتقاطُع .