انعقدت القمةُ العربيةُ ال 32 في مدينة جدة السعودية بقوامها العربي كاملًا بعد استعادة سوريا مقعدَها في الجامعة العربية، وربما تكون هذه القمة هي الأولى التي لا تنعقد فيها جلسة مُغلقة، وهي بالتأكيد القمة العربية التي تُعيد القضية الفلسطينية إلى أعلى سلم أولويات هذه الأمة، وتكمن أهمية قمة جدة فيما قاله الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي بأنه لن نسمحَ بأن تتحولَ مِنطقتنا (العربية) إلى ميدان للصراعات، بالطبع كان ولي العهد السعودي يُشير بوضوح إلى التدخلات الإقليمية والإملاءات الدولية والضغوطات التي تُمارَس على دول العالم العربي على حساب مصالحها وأمنها واستقرارها، وتمنعها من تخطي أزماتها الداخلية وتأجيج الخلافات الثنائية، من هنا تأتي أهمية القمة واستثنائيتها في مثل هذا التوقيت وفي ظل المُتغيرات التي يشهدها العالم من حولنا.
الأمير محمد بن سلمان لطالما أثبت أنه يحوز صفات القائد السعودي الذي يعمل على تحقيق ما يتطلع إليه أبناء شعبه في مواكبة العصر وإحداث تغييرات مُهمة وملموسة نحو تحقيق نهضة اقتصادية وتنموية تعتمد على مُقدرات وإمكانات الشعب السعودي وترسيخ مبدأ الشراكة مع الشرق والغرب تقوم على المصالح وليس الإملاءات الفجة والضغوط التي دأبت عليها الدول الكُبرى، التي جعلت من هذه المنطقة بؤرةً للصراعات الكفيلة بتركيعها وسلب إرادتها وقرارها، وحَلْبة حروب داخلية وحروب بالوكالة ومِلفات ساخنة وأخرى مُلتهبة، وبناءً عليه فإن الأمير محمد بن سلمان مؤهلٌ لقيادة أمته لمواكبة العصر وجعلها أمة مُزدهرة وتوجيه إمكاناتها ومُقدراتها لخدمة شعوبها والتغلب على عثراتها.
ويمكن القول إن قمة جدة تطرقت إلى قضية مُهمة ومُلحة لجهة ترسيخ الأمن والاستقرار وإنهاء النزاعات والصراعات في الوطن العربي كشرط أساسي لتحقيق التنمية المُستدامة وتطوير الجانب الصناعي الإنتاجي ومُكافحة الفقر والبطالة وتوسيع دائرة البحث العلمي الإنتاجي وتفعيل الشراكة العربية في الاقتصاد والتنمية والأمن بما يُلبّي تطلعات الشعوب العربية من المُحيط إلى الخليج، وإن المملكة العربية السعودية بإمكاناتها وريادتها ونفوذها الإقليمي والدولي ومكانتها العربية كقائدة لمشروع التجديد والتغيير والتوافق، قادرة على المُضي قدمًا بالعالم العربي نحو التنمية والاستقرار والازدهار وتجاوز الماضي بعثراته وإخفاقاته وانكساراته، وإذا أخذنا اليمن هنا كنموذج، فلعل القيادة السعودية تُدرك أهمية إخراج اليمن من أزماته وإنهاء الحرب وتحقيق السلام والحفاظ على وَحْدته وسيادته على اعتبار أن اليمن يُمثل عمقًا استراتيجيًا للمملكة وعامل استقرار للجوار الخليجي ومُحيطيه العربي والإقليمي.
كما أن اليمنيين يُراهنون على الدور السعودي في تحقيق السلام وجمع الفرقاء على طاولة مُفاوضات لإنهاء الحرب، تقوم على أساس الشراكة في الثروة والسلطة، والحفاظ على وَحدة اليمن وسيادته، وهي اليوم معنية بالتصدي لأي طرف يُحاول العبث بوحدة وسيادة ومُقدرات هذا البلد العربي المُتاخم لحدودها الجنوبية مهما كان داعموه ومُموّلوه، وإذا كانت نتائج قمة جدة حققت نجاحًا لجهة التوافق العربي وخفض التصعيد بين الفرقاء، وانعقادها بكامل قوامها للمرة الأولى منذ سنوات بالإضافة إلى نياتها لإخماد الحرائق وإنهاء الأزمات والحروب، وفي مُقدمتها أزمة اليمن، فإن نجاحها الحقيقي رهن بتنفيذ تلك المُخرجات، والتصدي بحزم لكل مشاريع التقسيم التي تستهدف دوله المُضطربة كاليمن، والتي يتوجب على المملكة العربية السعودية التي تقود العالم العربي في هذه المرحلة المفصلية العمل على لملمة الصف العربي وإخماد الحرائق ومُعالجة المِلفات العالقة في ضوء ما يشهده الإقليم والعالم من مُتغيرات وتحالف مصالح عابرة للقارات ومؤشرات إلى تعدد الأقطاب وتغيير خريطة التحالفات الدولية.
وفي حال نجحت مشاريع التقسيم والتفتيت في المنطقة العربية، فإن هذه الأمة ستبقى كما كانت واهنةً وسيظل العالم العربي عديم الإرادة إذا ما غضّ الطرف عن مجموعة أو كِيانات لا قيمة لها لتمرير مُخططاتها التقسيمية ومنها مُخطط الإطاحة بوحدة اليمن وسيادته كما هو حاصل اليوم، يجب العمل على تحقيق أهداف التنمية المُستدامة والانعتاق من الضغوط والإملاءات الخارجية بعيدة المنال في عالم عربي مُضطرب تتحكم في أمنه واستقراره وسيادة دوله جماعات المشايع المشبوهة وكيانات صغيرة، إذ لا تتوفر شروط التنمية المُستدامة والتكامل الاقتصادي والأمني والتوافق السياسي في مِنطقة غير مُستقرة.
نقلا عن الراية القطرية