الوطنيونَ الحقيقيونَ لا يدمّرون وطنهم ولا يخوضون حروبًا تنهكه وتسفك دماء أبنائه، وينصتون لصوت العقل حين يتوجّب عليهم السعي بإرادة حقيقيّة لإيجاد وسائل يوقفون بها حربهم وإن على حساب مصالحهم وأطماعهم.
يدعّي أطراف النزاع في اليمن بأنهم يعبّرون عن إرادة ضحايا حروبهم وهم السواد الأعظم من الشعب اليمني، ثم يُتصوّر لهم بأنهم يمتلكون شرعية يدعّون زورًا أن الجائعين والبائسين والمغلوبين على أمرهم منحوهم إياها، ولعمري إن ما يدّعونها شرعيّة لا يقبلها عقل ولا منطق، وستلاحقهم لعنة التاريخ على صفحات بلون الدم والدموع والدمار.
متى تتوقف مَدافع المُحاربين؟، يسألُ اليمنيون، وتزداد حسرتهم حين يصرخون متى يعود اليمن لأبنائه؟ لا يتغلب فيه سلاح ولا يظهر بين حين وآخر من يسعى إلى الدفع بوطنه في أمواج متحرّكة وحروب دمّرت ما فوق ترابه من مكاسب حققها اليمنيون لعقود طويلة فيما يحتضن ثراه مئات الآلاف من أبنائه، منهم من قضى في الحرب ومنهم من فاضت أرواحهم قهرًا وعوزًا وفاقة أو كان مريضًا لم يجد ما يشتري به دواءه.
في بلد كاليمن لم يعد يحتمل عامًا ثامنًا من الحرب، ذلك أن الأعوام السبعة وسنوات الأزمات الداخلية لما قبلها أنهكته وأضعفته ونالت من سيادته ومكانته العربيّة والإقليميّة والدوليّة، والمسؤولية هنا تقع على اليمنيين أنفسهم، وأقصد هنا النخب السياسيّة المؤثرة والفاعلة، صنّاع القرار والأزمات من أحزاب وجماعات في الحكم والمعارضة، وجميعهم مارسوا كل ألاعيب السياسة ومحظوراتها كوسيلة للانقضاض على بعضهم بعضًا، والمؤسف أنهم لم يدركوا إلى اليوم إلى أي منزلق يسيرون بوطنهم.
من هنا يتوجّب على كل أطراف الصراع في اليمن التوقّف عن مساعيهم لجهة تحقيق انتصار عسكري عجزوا عنه خلال سبع سنوات، الشعب اليمني أرهقته سنوات حرب التهمت خيرة أبنائه ومعظم موارده ودمّرت مكتسباته، وفي اعتقادي، إن وقف هذه الحرب الكارثية لا يزال بيد اليمنيين، ولا يجوز أن يكون مصير بلدهم ومستقبل أجيالهم بيد أي طرف خارجي يجعل منهم دمى يحرّكها في اتجاه مصالحه على حساب مصالح اليمن ووحدته وسيادته وتطلعاته في الأمن والاستقرار والحياة الكريمة والحفاظ على وحدته وهُويته الوطنيّة.
إنَّ دخول اليمن عامًا ثامنًا من الحرب سيزيد الأزمة تعقيدًا وربما تتضاءل الفرص المتوفّرة اليوم ولا تتأتى فرص أفضل للسلام، وأي تنازلات تقدّمها أطراف الحرب ستكون من أجل الشعب اليمني الذي يدعّون الحرص على مصالحه، وبالتالي على كل طرف أن يبرهن ولو لمرة واحدة بأنه ينحاز لمصلحة وطنه وإرادة شعبه، ذلك أن اليمن يحتاج إلى سنوات طويلة لتضميد جراحه والتعافي من سنوات الحرب، واستعادة الدولة الوطنيّة التي تعنى بمصالحه وتلبّي تطلعات أكثر من ثلاثين مليون يمني إلى السلام والاستقرار والتنمية والعدالة والمساواة.
إن فرص تحقيق السلام وإنهاء الحرب في اليمن ما زالت متاحة، وما زال الحل السياسي عبر الحوار مطلبًا عربيًا وإقليميًا ودوليًا، وينبغي على أطراف الحرب أن يدركوا هذه المسؤولية الوطنيّة تجاه بلدهم، وإن لم يدركوا ذلك فإن الخيارات تضيق والكارثة تستمرّ ونزيف الدم لن يتوقّف، والتاريخ لا يرحم.