ما مستقبل الصراع اليمني بعد الاتفاق السعودي الإيراني؟
هل يُغيّر اتفاق طهران والرياض المشهد بعد اكثر من ثمان سنوات من الصراع؟
يبدو على هذا النحو من اول وهله لكن قد ينهي الحرب وتخرج قوات التحالف نعم لكن لا يعني ذلك إحلال السلام فنهاية الحرب شي والسلام شيء آخر.
يبدو ان السلام الحقيقي ما يزال بعيد المنال في اليمن وفق مسوغات واقع الحال في المشهد، ولأنها حرب إقليمية بالوكاله كما في حرب الستينيات ، فتقريبا معطيات ومسوغات متشابهة هي تحكم الدول الفاعله في سير المعارك مما طال زمنها . وكما انتهت حرب الستينيات بتوافق مصري سعودي لأكثر من ثمان سنوات هاهو التاريخ يعيد نفسه بعد ثمان سنوات حرب فتسارعت الاحداث في غضون أسابيع قليلة بعد توافق السعودية مع ايران بوساطة صينية في بكين.
التقارب الإيراني السعودي إضافة للمحادثات المعلنة والسرية بين السعودية والحركة الحوثية واخرها الوساطة العمانية التي انتجت لقاء بين مسؤلين سعوديين وحوثيين مؤخراً في القاعات الخارجيه للقصر الجمهوري الذي كان قد قصف من قبل دولة (العدوان) الحليف الحالي للسعودية بينما ما يسمى بالحكومة الشرعية تقف خرسا إزاء ماجرى ويجري وعليها ان توقع نهاية المطاف ماتريده السعودية والحوثي وبهذا فهي ستطوي صفحتها بنفسها تماما كما فعل هادي عندما فكك نفسه بنفسه.
لا الرئاسة ولا الحكومة قادرة على الخروج للناس بمؤتمر صحفي لوصف ما يجري وما اتفق عليه حول وقف اطلاق النار والفترة الانتقالية !!
اللافت ان لقاء المشاط مع الوفدين العماني والسعودي لم يكن بوجود هشام شرف وزير خارجية حركة الحوثي وقد غيب رغم تواجده في صنعاء ونائب وزير الخارجية حسين العزي يحضر بدلا عنه.
وتضاعفت الجهود الدبلوماسية لحل الصراع منذ أن وقعت المملكة العربية السعودية، الداعم الخارجي الرئيسي للحكومة اليمنية، اتفاقًا بوساطة صينية لاستعادة العلاقات مع إيران الشهر الماضي.
يعتقدون بأن إيقاف هذه الحرب نهاية كل شئ مع انها قد تكون بداية كل شئ وبداهة فأن اين حرب في التاريخ لابد ان تضع اوزارها بطريقة أو بأخرى . وفي الحالة اليمنية وحسب مسوغات واقع الحال فأن نهاية هذه الحرب بفرض سلام هش سيكون بمثابة ترحيل لصراع آخر اطول وربما أشد ، ورغم هذا لسان حال الاغلبية من اليمنيين ان تنتهي بهذا الشكل افضل من حالة اللاحرب واللاسلم فالشرعية لم تعد شرعية بعد فرضها من خارج اليمن.
والتحالف الذي دمر اليمن على مدى ثمان سنوات بذريعة استعادة الشرعية مع ان شرعية هادي ايضاً كان مشكوك فيها لأنها تجاوزت الفترة الدستورية.
دمرت السعودية اليمن من اجل الشرعية التي كانت مرتهنة من بداية الحرب ولم يقضي التحالف على الحركة الحوثية بل ساندتها لتتجذر باستنساخ انقلاب اخر في عدن اكثر من ثمان سنوات وها هو التحالف يتودد للحوثي.
واستمرار الحرب العبثية فقط لتصبح نمط حياة يومية بمدى زمني مفتوح وبلا حدود وبلا افق غدت كارثة ، وفرض حلول قسرية بعد تجويع الشعب اليمني وانقطاع الرواتب لسنوات بغرض تثبيت الوضع الراهن كأمر واقع وفي حال فرض سلام فقط لإنقاذ وشرعنة الحوثي وخروج السعودية من مستنقع حربها في اليمن هو كارثة أكبر وسيكون حتماً أمراً مرفوضا شعبيا ويهيئ لحرب تلد أخرى .
وبداهة فأن نهاية أي حرب لا يعني بالضرورة ان يعم السلام.
وفي رصد يوميات الحرب لأكثر من ثمان سنوات لم نشهد زخما سياسيا اقليمي ودولي مثلما جرى ويجري منذ بضعة اسابيع وعلى كل الأصعدة سوا الوساطة العمانية او دور الامم المتحدة عبر المبعوث الاممي ، والمبعوث الامريكي الخاص لليمن وانتهى الامر بانفراج في علاقات ايران مع السعودية واللافت ان كل هذه التطورات تفاعلت لتنتج ما يشبه الاستسلام السعودي لإيران وبداهة فأن هذا الحل في صالح الحركة الحوثية التي فرضت رؤيتها في تفاصيل ما قبل ايقاف الحرب التي تسبب بها من اغتصب السلطة في اليمن.
اما الطرف الخاسر فليس طرفي التحالف والشرعية المرتهنة فحسب بل الشعب اليمني هو المتضرر الفعلي . فالسلام يأتي من فوهة البنادق وليس استجدا السلام من العدو تماما كما يفعل النظام الاقليمي العربي مع الكيان الصهيوني سلام من موقف الضعيف المفعول به وليس المؤثر في مجريات الاحداث على الارض الحرب عمليا انتهت قبل عملياً قبل نحو اربع سنوات أي منذ اتفاق ستوكهولم.
تاتي التحركات السياسية منذ اسابيع وقد تهيئت الاجواء محليا واقليميا وبتشجيع ورغبة من المجتمع الدولي الذي يتعاطف مع الحوثي فعليا ومع الشرعية رسمياً.
حتى طرفي التحالف سيقبل بالحوثي ويكون حليف له اهون بالنسبة له ان تتولى قوى الثورة اليمنية زمام الامور في نهاية الامر ميلشيا الحوثي اهتمامها بحتمية الاعتراف الدولي وقبل ذلك دعم خليجي وقد تكون السعودية الداعم الاول ليمن ما بعد الحوثي وستحتويه بالأموال والاعتراف مقابل ان تضمن حدودها وانشاء منطقة عازله وتعهد حوثي بإتلاف الاسلحة الاستراتيجية من صواريخ بالستية ايرانية وطائرات بدون طيار وبضمانه اقليمية عمان وبعض بلدان الخليج الى جانب روسيا والصين.
نؤكد مرة أخرى ان ايقاف الحرب رسميا لا يعني سلام بالضرورة لكنه بعد كل هذا الدمار والتلكؤ من النخب السياسية الحاكمة والمرتهنة (شرعية وانتقالي وميلشيا الحوثي) بتواطئ بقية الاحزاب بما فيها الاصلاح وتأمر الاقليم وخذلانه للشرعية فقد تم تدمير اليمن طيلة ثمان سنوات بمسوغ ولافته استعادة الشرعية لكنه استنسخ انقلاب اخر في عدن وليس فقط شرعتنه بل اصبح هو في قلب الشرعية وصاحب النفوذ لهذه الشرعية المرتهنة ومهما اختلف محور مجلس القيادة فيما بينهم لكنهم تحت عباية دولتي التحالف.
وفي حال الاعتراف بالحوثي رسميا ستتوالى دول الخليج في الاعتراف الرسمي وكذلك بلدان الجامعة العربية والمجتمع الدولي.
وانذاك ستكون حركة الحوثي سلطة الامر الواقع هي الشرعية كما تم مع ميليشيا الانتقالي الانفصالية ومن يعارض الانتقالي كما حدث في شبوه قبل بضعة اشهر سيتكرر مع حركة الحوثي مستقبلاً.
بمرور الزمن غدِت الحرب الدائرة في اليمن كملف منسي يكاد يتوارى ضمن ملفات أكثر سخونة في بؤر مشتعلة بالمشرق العربي تحديداً عند أولويات دول الإقليم والعالم على حد سوا !مُنذ بضع سنوات وتحديداً بعد خنوع الشرعية للضغوطات الدولية عندما كانت قاب قوسين او ادنى من تحرير ميناء الحديدة الذي كان جيشها قد وصل لشارع صنعاء وبقى بضع كيلو مترات للسيطرة على الميناء.
ونظراً لكثرة تداول يوميات الحرب فقد غدت أمراً عاديا ومجرد خبر عابر ولا يحظى باهتمام وقلق حقيقي في أروقة دهاليز السياسة ولعبة الأمم .حيرة اليمنيين اليوم هو ان الحرب غدت نمطاً يومياً فلا يرون أملاً في حسم قريب او انفراج سلمي فثمة محاولة لتفخيخ اليمن بكل عناصر غياب الاستقرار، وجعل الأمل في عودة الحياة السياسية الطبيعية مستحيلاً ، بغرض تهيئة الملعب لنهاية المشهد بتدوير الدولة العميقة برعاية إقليمية .
ثمة ما يكفي من الأحقاد في اليمن لجعل الحسم على الأرض هو الخيار الوحيد ولكن هذا الحسم لا يأتي طالما الخندق المقابل لميلشيا الحوثي منقسم على نفسه ولعل معمعة وتباين التحالف هو انعكاس للقوى المتربصة خارج الشرعية وهي بقايا المؤتمر ورموز الحراك الجنوبي ففي مفردة الحراك فأن الشرعية تشترط حل ودمج قواته في الجيش والشرطة مقابل مناصب وزارية في الشرعية ،فالانتقالي كان يريد مناصب وزارية في الشرعية مع الاحتفاظ بالمجلس كمكون جنوبي والاحتفاظ بالمليشيات التابعة له فاتفاق الرياض الاول والثاني كان قد فرض فرضا ويحمل مصيره في طياته فبنوده ملغومه غير قابله للتحقيق وراعي هذا الاتفاق يدرك ذلك.
نفس التفاصيل قد يحدث مع ميلشيا الحوثي الذي خرق العهد اكثر من مرة أهمها ما سمى باتفاق السلم والشراكة حيث تم التركيز على الجانب السياسي مشاركتهم السلطة ولم يحرصوا على تنفيذ الجانب العسكري والامن فبقوا بسلاحهم ومستقبلا من باب أولى ان يتمسك الحوثيين بما يسموه إنجازات خلال حقبة الحرب فمن المستحيل الموافقة على تسليم السلاح.
اجمالاً لم يكن اليمنيون او اغلبهم يتوقعون خذلان التحالف عندما ايدوا عاصفتهم في الشهور الأولى ، ولعدم انتقال مؤسسات الشرعية إلى العاصمة المفترضة عدن قد أثار شهية الإمارات للتدخل في المحافظات الجنوبية والشرقية . نكبة اليمن اليوم هي ان الشعب ضحية التنكيل به من قبل الغازي “الوطني” والخارجي ، بين شرعية ضعيفة وتحالف متخاذل شن الحرب تحت لافتة تختلف كليا عن ما يجري اليوم على واقع المشهد السياسي والعسكري الهزيمة المعنوية الكبرى الذي تلقاها اليمنيين كانت بسبب ركونهم على التحالف.!
انتها هذه الحرب بأي ثمن هو لغم لترحيل الصراع ، نهاية هذه الحرب بناء على مسوغات الواقع لا يعني سلام مستدام بل فتح ابواب جهنم على اليمنيين .. اليوم على الأقل لدينا مرجعيات بغض النظر عن تقاعس جهة ما وغداً لن يحكمنا ضابط ولا يردعنا وثيقة وسيهى بيئة لدول الطوائف المتناحرة وتشرذم وتفكيك المقسم .
وبداهة سيكون الباب مفتوحاً على مصراعيه لأسوأ الاحتمالات لانزلاق اليمن للمجهول على غرار النموذج السوري والعراقي ، لأنه بهكذا حلول استسلاميه سيتم حل مشكلة الانقلابيين وليس تداعياته لتخلق بالتالي بذور صراع أبدي لا محالة .
تلاحقت التطورات السياسية فيما يتعلق بسير محادثات الحوثيين مع ما كان يسموه بالعدوان بعد بضعة أيام من صفقة تبادل اسرى في قسمة ضيزى.
فقد تم الإعلان قبل أسابيع في سويسرا عن توصل طرفي الصراع في اليمن إلى اتفاق يقضي بإطلاق مجموعة جديدة من الأسرى والمحتجزين لدى كل من الحكومة اليمنية وجماعة (أنصار الله) الحوثية. برعاية من الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، تم الإعلان مطلع هذا اسابيع في سويسرا عن توصل طرفي الصراع في اليمن إلى اتفاق يقضي بإطلاق مجموعة جديدة من الأسرى والمحتجزين لدى كل من.
في حال صح أن اتفاق الرياض مع طهران مصمم في الأساس لحل مشكلاتهما الثنائية الأمنية والاقتصادية فهل يمكن أن يؤدي الاخفاق في إلزام القوى اليمنية المؤثرة على الأرض بحل سياسي للنزاع إلى انسحاب السعودية من هذا الملف برمته وترك اليمن وحده يتخبط في صراعاته الداخلية لسنوات أخرى قادمة.
يجمع الكثيرون ويحلل الوضع اخرون بأن المشهد قد يخرج عن سيطرة الجميع حتى لو استولت جماعة الحوثي على المناطق الشمالية للبلاد بالكامل وانسحبت السعودية والإمارات من المشهد، لكننا سندخل في صراعات هجينة ومتعددة، ما يعني أن المواطن اليمني هو من سيدفع ثمن ذلك.
في مقابل هذا يرى خبراء في شؤون المنطقة أنه في حال انسحاب السعودية من المشهد اليمني، فلا يوجد ما يضمن للرياض الأمن والمصالح التي ترجوها من اتفاقها مع إيران، خاصة مع وجود جار منقسم ومضطرب، حتى ولو توصلت إلى اتفاق أمني جزئي مع الحوثيين سواء بدعم إيران أو بدونه، فاستقرار السعودية مرتبط باستقرار جارها الجنوبي وليس فقط مع ذلك الجزء من حدودها الذي تسيطر عليه الحركة الحوثية.
*كاتب يمني وسفير في الخارجية