في تاريخ الحديث في العقود الأخيرة منذ الستينيات اثبتت الوقائع بأن المجالس الرئاسية في اليمن كانت حلوا مؤقته لتأجيل الصراع فهي حلول مؤقتة آنية لتأجيل الصراع باستثناء المجلس الجمهوري الذي تم تشكيله في عهد الرئيس عبد الرحمن الإرياني من أعضاء مدنيين، كانت جميع المجالس الرئاسية السابقة تتألف من قيادات عسكرية خالصة، ونظره تقييم وجردة حساب لما حققه المجلس الرئاسي الذي فرض رسميا في مثل هذا اليوم كان توافق دولتي التحالف عندما نقل الرئيس اليمني المؤقت عبد ربه منصور هادي، صلاحياته إلى مجلس القيادة الرئاسي المؤلَّف من ثمانية أعضاء، الذين أدوا اليمين الدستورية في 17 من الشهر نفسه باستثناء عيدروس الزبيدي كان له صيغة مختلفة في اليمين الدستورية.
ظهر المجلس بشكل ملحوظ بأنه توافقي بين السعودية والإمارات، اللتين تتزعمان التحالف، أكثر من كونه توافقاً بين القوى السياسية اليمنية المشاركة في مشاورات، بدت صورية في الرياض، لأكثر من أسبوع، وتم القفز عليها عشية اليوم الختامي. وعلى الرغم من أن المشاركين في المشاورات فوجئوا بالقرارات المعلنة من قبل هادي، ولم يعلموا بشأنها إلا بعد صدورها، لكنهم باركوها في بيانهم الختامي.
فتقاسمت دولتي التحالف الشرعية، ولا له علاقة باليمن بدليل أن عام مضى دون انجاز شيء، بل إن معظم أعضائه قضوا أكثر من نصف المدة خارج اليمن، كما يفسح المجلس الجديد المجال لصعود شخصيات قيادية، شمالية وجنوبية على السواء، من كنف مجموعات ذات أصول عسكرية، وكذلك صعود قادة محليين وقادة على مستوى المحافظات، ولكن، سيكون العائق الأكبر في اليمن هو دمج القوى الصغرى المتنافسة في مشهد سياسي وطني ومتماسك.
وكان من أهم بنود اتفاق الرياض ينص على دمج القوات المسلحة لكن الانتقالي لم ينفذ سوى الجانب السياسي دون العسكري وهو نفس موقف الحوثي في اتفاق السلم والشراكة غداة سقوط صنعاء، وعليه ومن خلال الاستعانة بشبكات عسكرية واقتصادية، سيكون من الصعب دمجها في إطار وطني. تكتسي مسألة الدعم الإقليمي أهمية محورية أيضًا، ما يضع عائقًا إضافيًا في الطريق نحو التماسك السياسي. مثلا، مارست السعودية، التي تسعى إلى تنفيذ استراتيجية للخروج العسكري من اليمن، ضغوطًا قوية كي يقوم هادي بنقل السلطة إلى المجلس.
مثّل المجلس أطراف كثيرة لها مصالح فيما ستؤول إليه البلاد، ولكنه لم يكن متماسك، بل عدم التوافق والتناغم هو سمة علاقات أعضاء المجلس وبداهة لن يتمكن المجلس من اصدار قرار توافقي، يكشف المجلس الرئاسي الانقسام المستمر في البلاد، ما يسلّط الضوء على فشل المحاولات السابقة لتشكيل ائتلاف في المعسكر المناهض للحوثيين، فقد منيت معظم الجهود السابقة بإخفاق ذريع بسبب الخصومات الطاغية بين القوى والأجندات المتنافسة. وهو الانقسام نفسه الذي ينسحب على المجلس الرئاسي. فعلى سبيل المثال، عيدروس الزبيدي، العضو في المجلس، هو رئيس ما يُسمّى بالمجلس الانتقالي الجنوبي الذي انضم رسميًا إلى الحكومة المعترف بها منذ أواخر عام 2019. ومن الأمثلة الأخرى على التنافس على صعيد الأولويات أن طارق صالح، قائد قوات المقاومة الوطنية، وأبو زرعة، قائد ألوية العمالقة، هما عضوان في مجلس القيادة الرئاسي على الرغم من انتمائهما رسميًا إلى تحالف القوى العسكري في الساحل الغربي بقيادة صالح.
في ضوء التناقضات الداخلية الكثيرة، قد لا يتمتع المجلس بالقوة الكافية للتوصل إلى اتفاق مع الحوثيين، ولن تتوارى الخلافات السياسية بين أعضاء المجلس بشأن السيطرة على الأراضي وترتيب هرم القيادات، إضافة إلى ذلك لاتزال الخصومات المحلية قائمة، فقد تمكّن عدد كبير من أعضاء المجلس، مثل المحافظَين النافذَين في مأرب وحضرموت، من فرض مناطق سيطرة على الأرض بحكم الأمر الواقع، من خلال الاستعانة بشبكات عسكرية واقتصادية، سيكون من الصعب دمجها في إطار وطني.
وخلاصة الامر بأن ما يسمى بالدعم الإقليمي للشرعية المرتهنة هو من اجل استمرار اللاحرب واللاسلم وكل التآمر يشكل عائقًا إضافيًا في الطريق نحو التماسك السياسي فالسعودية كل همها، التي تسعى إلى تنفيذ استراتيجية للخروج العسكري من اليمن، منذ تشكيل المجلس في ابريل من العام الماضي.
تسعى كلا من دولتي التحالف في نهاية المطاف الى وضع حد للحرب والخروج من المستنقع اليمني أن الهيئات واللجان المعلنة إلى جانب المجلس، لم تفعل الا قبل بضعة أسابيع وهي هيئة التشاور والمصالحة لمن هم تحت عباية دولتي التحالف وليس كل القوى في الساحة مع بقاء مجلسي النواب والشورى، وصف البعض الوضع آنذاك قبل عام بأنه هروب إلى الأمام وترهيل غير مفهوم لهيئات العمل العام بالصورة التي تعطي للسلطة شرعية شكلية، وقد نص القرار في مثل هذا اليوم من العام المنصرم بنقل السلطة على إنشاء "هيئة التشاور والمصالحة"، بعضوية 50 شخصية سياسية من كافة المكونات، أغلبها قيادات حزبية، مع تخويل رئيس مجلس القيادة الرئاسي تعيين من يراه من الكفاءات الوطنية لعضوية الهيئة عند الحاجة، ضم المجلس تشكيلة من أطياف متباينة رغم ان كلها تنطوي تحت عباية السعودية او الامارات
فقد ضم بعض رموز الدولة العميقة وسلفيين وانفصاليين، ولا يوجد مشروع وطني جامع بين أعضاء المجلس السبعة الذين يدينون بالولاء لدول التحالف أكثر من كل شيء.
وبداهة فإن النزعات الانفصالية التي لا يزال يتمسك بها المجلس الانتقالي الجنوبي كانت أبرز مسوغات الفشل في أداء المجلس ليحمل بذوره فنائه بداخله.
*كاتب يمني وسفير في الخارجية