لم تشهد الحرب في اليمن خلال ثمان سنوات زخما سياسيا اقليمي ودولي مثلما جرى ويجري منذ بضعة اسابيع وعلى كل الأصعدة سوا الوساطة العمانية او دور الامم المتحدة عبر المبعوث الاممي ، والمبعوث الامريكي الخاص لليمن وانتهى الامر بانفراج في علاقات ايران مع السعودية واللافت ان كل هذه التطورات تفاعلت لتنتج ما يشبه الاستسلام السعودي لايران وبداهة فأن هذا الحل في صالح الحركة الحوثية التي فرضت رؤيتها في تفاصيل ما قبل ايقاف الحرب التي تسبب بها من اغتصب السلطة في اليمن.
اما الطرف الخاسر فليس طرفي التحالف والشرعية المرتهنة فحسب بل الشعب اليمني هو المتضرر الفعلي . فالسلام الفعلي يأتي من فوهة البنادق وليس استجدا السلام من العدو تماما كما يفعل النظام الاقليمي العربي مع الكيان الصهيوني سلام من موقف الضعيف المفعول به وليس المؤثر في مجريات الاحداث على الارض الحرب عمليا انتهت قبل نحو اربع سنوات أي منذ اتفاق استوكهلم .
تأتي التحركات السياسية منذ اسابيع وقد تهيئت الاجواء محليا واقليميا وبتشجيع ورغبة من المجتمع الدولي الذي يتعاطف مع الحوثي فعليا ومع الشرعية رسميا حتى طرفي التحالف سيقبل بالحوثي ويكون حليف له اهون بالنسبة له ان تتولى قوى الثورة اليمنية زمام الامور في نهاية الامر التحالف يهمه اعتراف دولي وقبل ذلك دعم خليجي وستكون السعودية الداعم الاول ليمن ما بعد الحوثي وستحتويه بالأموال والاعتراف مقابل ان تضمن حدودها وانشاء منطقة عازله وتعهد حوثي بإتلاف الاسلحة الاستراتيجية من صواريخ بالستية ايرانية وطائرات بدون طيار وبضمانه اقليمية عمان وبعض بلدان الخليج الى جانب روسيا والصين.
ايقاف الحرب رسميا لا يعني سلام بالضرورة لكنه بعد كل هذا الدمار والتلكؤ من النخب السياسية الحاكمة والمرتهنة (شرعية وانتقالي وميلشيا الحوثي) بتواطئ بقية الاحزاب بما فيها الاصلاح وتأمر الاقليم وخذلانه للشرعية فقد تم تدمير اليمن طيلة ثمان سنوات بمسوغ ولافته استعادة الشرعية لكنه استنسخ انقلاب اخر في عدن وليس فقط شرعتنه بل اصبح هو في قلب الشرعية وصاحب النفوذ لهذه الشرعية المرتهنة ومهما اختلف محور مجلس القيادة فيما بينهم لكنهم تحت عباية دولتي التحالف.
بمرور الزمن غدِت الحرب الدائرة في اليمن مُنذ نحو ثلاث سنوات كملف منسي يكاد يتوارى ضمن ملفات أكثر سخونة في بؤر مشتعلة بالمشرق العربي تحديداً عند أولويات دول الإقليم والعالم على حد سوا !
ونظراً لكثرة تداول يوميات الحرب فقد غدت أمراً عاديا ومجرد خبر عابر ولا يحظى باهتمام وقلق حقيقي في أروقة دهاليز السياسة ولعبة الأمم .حيرة اليمنيين اليوم هو ان الحرب غدت نمطاً يومياً فلا يرون أملاً في حسم قريب او انفراج سلمي فثمة محاولة لتفخيخ اليمن بكل عناصر الااستقرار، وجعل الأمل في عودة الحياة السياسية الطبيعية مستحيلاً ، بغرض تهيئة الملعب لنهاية المشهد بتدوير الدولة العميقة برعاية إقليمية . ثمة ما يكفي من الأحقاد في اليمن لجعل الحسم على الأرض هو الخيار الوحيد ولكن هذا الحسم لا يأتي طالما الخندق المقابل لميلشيا الحوثي منقسم على نفسه ولعل معمعة وتباين التحالف هو انعكاس للقوى المتربصة خارج الشرعية وهي بقايا المؤتمر ورموز الحراك الجنوبي ففي مفردة الحراك فأن الشرعية تشترط حل ودمج قواته في الجيش والشرطة مقابل مناصب وزارية في الشرعية ،فالانتقالي كان يريد مناصب وزارية في الشرعية مع الاحتفاظ بالمجلس كمكون جنوبي والاحتفاظ بالمليشيات التابعة له فاتفاق الرياض الاول والثاني كان قد فرض فرضا ويحمل مصيره في طياته فبنوده ملغومه غير قابله للتحقيق وراعي هذا الاتفاق يدرك ذلك.
اجمالاً لم يكن اليمنيون او اغلبهم يتوقعون خذلان التحالف عندما ايدوا عاصفتهم في الشهور الأولى ، ولعدم انتقال مؤسسات الشرعية إلى العاصمة المفترضة عدن قد أثار شهية الإمارات للتدخل في المحافظات الجنوبية والشرقية . نكبة اليمن اليوم هي ان الشعب ضحية التنكيل به من قبل الغازي “الوطني” والخارجي ، بين شرعية ضعيفة وتحالف متخاذل شن الحرب تحت لافتة تختلف كليا عن ما يجري اليوم على واقع المشهد السياسي والعسكري الهزيمة المعنوية الكبرى الذي تلقاها اليمنيين كانت بسبب ركونهم على التحالف.!
*كاتب يمني وسفير في الخارجية