حديث رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، خلال ندوة نظمها معهد الشرق الأوسط الذي يتخذ من العاصمة الأمريكية مقراً له، عن وجود خلاف داخل المجلس، يؤشر إلى أن هذا الخلاف مقصودٌ لذاته وتكتيكي في مراميه وأهدافه المرتبطة تحديداً بالتحالف.
فالتحالف يريد اليمنيين والعالم أن ينشغلوا بهذا الخلاف ليتحول إلى إحدى القضايا التي تصرف الجميع عن الترتيبات ذات الطابع العسكري والأمني والسياسي التي صُمِّمَ هذا المجلس للتغطية عليها وتحويلها الى عمل مشروع، حتى إن كان هذا العمل ينحتُ في جسم الدولة اليمنية ويصدعها.
وقد بدأ بالفعل السفراء الغربيون بالتركيز على الخلافات داخل مجلس القيادة الرئاسي وإطلاق تصريحات تؤكد على أهمية تماسكه وتعرب عن دعمها للمجلس ورئيسه، وهو توجه ترقبه الرياض وأبو ظبي بصمت العارف ببواطن الأمور والمالك لزمامها، على أمل أن تبقى الشرعيةُ واجهةً تفاوضيةً قابلةً للتحلُّل مع طي صفحة الحرب على النتائج الكارثية الراهنة.
التحالف يريد اليمنيين والعالم أن ينشغلوا بهذا الخلاف ليتحول إلى إحدى القضايا التي تصرف الجميع عن الترتيبات ذات الطابع العسكري والأمني والسياسي التي صُمِّمَ هذا المجلس للتغطية عليها وتحويلها الى عمل مشروع
لقد أُنتجَ مجلسُ القيادةِ الرئاسي، وفقاً لنوايا التحالف هذه، ليقوم بمهام القيادة الصورية المرحلية وأحاطهُ بهذا القدر من التصورات المتضاربة حول دوره ومستقبله، والأهم أن التحالف قد تعمَّدَ أن يعكسَ هذا المجلسُ المستحدثُ في تركيبته المتنافرةِ ثقلَ البيئةِ الإقليمية المتربصة بمستقبل اليمن والمتناغمة مع الأولويات الغربية، بما عُرفَ عن الغرب من نزوع إلى تفجير البيئات الوطنية في منطقتنا العربية، من خلال فرض مشاريع ولاعبين بخلفيات طائفية، ضمن الهندسة الشاملة لمستقبل المنطقة.
لقد كشف الرئيس رشاد العليمي خلال حديثه أمام معهد الشرق الأوسط، عن نقطة الخلاف التي أحدثت هذا التصدُّعِ المبكر في وحدة المجلس والتي وصفها بـ"التصورات"، معتبراً أن محاولة فرضها الآن غير ممكنة، وأنه من المستحسن ترحيلها الى ما بعد استعادة الدولة.
إنها بالتأكيد أحلامُ الانفصال التي يسوقها عيدروس الزبيدي واثنان آخران من أعضاء المجلس على الأقل ممن يعملون لحساب الإمارات، ويرون -متكئين على إيحاءات إماراتية صريحة بهذا الخصوص- أن الفرصة سانحةٌ لإعادة تقسيم اليمن رغماً عن إرادة الشعب اليمني في شمال الوطن وجنوبه، وبواسطة القوة المسلحة وبالاعتماد على إمكانيات الدولة اليمنية وعوائدها المالية، ومن الإسهامات الجزيلة التي يقدمها كبار مستوردي البضائع من خارج المحافظات الجنوبية؛ من أجل عبور سلعهم التجارية عبر الأراضي التي يسيطر عليها عملياً المجلس الانتقالي الجنوبي ومليشياته المسلحة المدعومة من التحالف.
إن أسوأ ما أفضت إليه عملية نقل السلطة إلى مجلس القيادة الرئاسي هي أن اليمنيين فقدوا القدرة على تتبع مسار المؤامرة الإقليمية والغربية، إلى الحد الذي يصعب معه اليقين بشأن دوافع دولتي التحالف، على الرغم من وضوح المسار المثالي للحرب، والذي ينبغي أن ينتهي باستعادة الدولة اليمنية، ويضع حداً للنفوذ الجيوسياسي لإيران ومنظومتها الشيعية في جنوب شبه الجزيرة العربية.
أسوأ ما أفضت إليه عملية نقل السلطة إلى مجلس القيادة الرئاسي هي أن اليمنيين فقدوا القدرة على تتبع مسار المؤامرة الإقليمية والغربية، إلى الحد الذي يصعب معه اليقين بشأن دوافع دولتي التحالف
على الرئيس رشاد العليمي أن يتمعن جيداً في ردود الفعل السلبية التي صدرت وتصدر عن طيفٍ واسع من السياسيين اليمنيين وخيرة رجال اليمن، وبعضهم كان يأمل في أن يُحدث هذا الرئيسُ فارقاً حقيقياً في الاداء القيادي حيال التهديدات التي نالت من الدولة اليمنية طيلة عهد سلفه هادي، وشعروا بخيبة أمل كبيرة عندما رأوا الرئيس يقف دون حراك أمام التصرفات الهمجية لحراس قصر معاشيق ضد احتفالية رمزية محدودة بالعيد الوطني الثاني والثلاثين لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية.
لا أعتقد أن أمام الرئيس رشاد هامش للمناورة، حتى وإن حاول أن يوهم نفسه بذلك، وبأنه قادر على التغلب على صلف وتجاوزات من يوصفون بأنهم ممثلو دولتي التحالف في مجلسه الرئاسي. ولأن خطوات هدم الدولة تتواصل بوتيرة عنيفة، فإن ما يعتقد أنه سيصل إليه عبر دبلوماسية الصبر. هذا إذا افترضنا أن الرئيس معني باستعادة الدولة، وهو هدف يمكن استكشاف إمكانية تحقيقه، من خلال المعلومات التي يتيح له منصبه الوصولَ إليها خصوصا تلك المتعلقة بالأهداف الحقيقية للتحالف، والخاتمة المدعومة من واشنطن للحرب الدائرة على الساحة اليمنية.
لذلك على الرئيس أن يتحدث بشكل صريح مع دولتي التحالف حول دوره في مجلس القيادة الرئاسي ومستقبل الحرب والسلام، وحينها إما أنه سيعرف الحقيقية وسيواجهها كأي زعيم وطني عبر الاستناد إلى الشعب اليمني، أو أنه سيخفيها عن الشعب وينغمس في تجربة الانصياع السلبي لإرادة التحالف، كما فعل سلفه من قبل فكانت نهايته مخزية.
*نقلا عن عربي21