في مثل هذا اليوم من عام 2014، شهد دار الرئاسة في صنعاء التوقيع على اتفاق السلم والشراكة، وهي التسمية المهذبة المقترحة من الأمم المتحدة لصيغة الاستسلام التي اجبرت الأطراف السياسية على التوقيع عليها تحت اشراف المبعوث الأممي آنذاك جمال بنعمر وتحت طائلة التعرض لعقوبات أممية ضد المعرقلين، وليبدو الأمر كما لوكان اتفاقاً تأسيسياً لشراكة وطنيةٍ واسعةٍ ولدت من رحم مؤتمر الحوار الوطني الشامل.
في عمق هذا الحدث المأساوي ظهر الرئيس عبد ربه منصور هادي في ذلك اليوم الحزين كمتصرف أحمق ويفتقد الى الرشد؛ بتركة عظيمة وضعت بين يديه.
و إلى جانب كونه رئيس المصادفة البحتة، وأحمق وأرعن، كشف أيضاً عن الداء الأخطر ، نعم فقد كشف عن نفسيةٍ مريضةٍ وثأريةٍ، نسي معها أنه رئيس وأن المقام يتيح له، إن أراد، تصفية خصومه بأدوات الدولة، لكن يا لحماقته، لقد سهل بإرادة كاملة مهمة تسليم الدولة بإمكانياتها دفعة واحدة إلى عصابة تدعمها شبكة علاقات دولية أوسع من تلك التي كانت توهمه بأن ترسيخ سلطته سيتم عبر تهيئة ساحة صراع تتحطم عليها الأطراف ذات النفوذ أو من يعتقد أنها صاحبة نفوذ، وجماعة الحوثي إحدى تلك الأطراف التي خصها بالرعاية الكاملة إلى أن وصلت صنعاء ووطأت أحذيةُ مسلحيها صالونَ الجلوس في منزله بشارع الستين الغربي.
اتفاق السلم والشراكة، لم يمنح الأطراف السياسية ترف التمسك ببنوده المذلة، فقد تجاوزه الحوثيون بعد ساعات من التوقيع عليه، وأسسوا سلطتهم على مبدأ القوة وعبر الاستخدام المفرط لأدوات الدولة التي سلمها هادي لهذه الجماعة الطائفية على طبق من ذهب.
علي عبد الله صالح الرئيس الذي أطاح به الشعب أطلق في مساء ذلك اليوم المشؤوم ابتسامة تحولت إلى وشم لصق بشدة بسَمْتهِ وملامحه، وبدا متشفياً وواثقاً بأنه بات على بعد خطوات من استعادة السلطة، وتلك حماقة أطاحت بعبقريةٍ قياديةٍ مزيفةٍ كرستها منظومةٌ إعلاميةٌ محتَكرةٌ ورثَّةٌ في وعي الناس، وزاد بنفسه أن شدد على عبقريته بإشاراته المتكررة إلى مهاراته في السير على الحافة والمشي على رؤوس الثعابين..
اعتقد صالح انه يمتلك الاستحقاق والخبرات السلطوية والمهارات السياسية وقدرة الحاوي في اللعب بالأوراق مستهزءاً الى أبعد الحدود بالحكومة التي تشكلت على قاعدة الوفاق الوطني واستوعبت الحدود الدنيا من الطاقة الخلاقة لشباب اليمن وخبرائه المفعمين بالحماس من أجل بناء الوطن.
لقد لقي صالح مصرعه بعد خمسة أعوام على يد شركائه الحوثيين في الانقلاب المشؤوم، ونهايته المأساوية تلك جرت إثر معركة غير متكافئة استمرت يومين فقط في الحي الوحيد المتبقي له من العاصمة صنعاء.
لكنه على مدى خمسة أعوام كان قد عاش ذل فقدان السلطة في ظل سطوة ميلشياوية أجبرته على ممارسة النفاق السياسي، والترويج المذل للحوثيين.
ومع هذا الذل بقي صالح يُصدِّرُ للحمقى من أنصاره وهماً بأنه إنما يمارس لعبة التخفي عن رقابة المجتمع الدولي بينما ينهمك في توجيه قوة الميليشيا المدعومة من إيران نحو مشروعه الحصري لاستعادة السلطة.
الأحزاب من جهتها بددت تركةَ عقدٍ من الشراكة في تحمل مسؤولية استعادة الوطن عبر المعارضة السياسية السلمية، وأخرجت أسوأ ما كانت قد دفنته من إحن أيديولوجية، فصفق معظمها لقدوم الجماعة الفتية المدعومة بلا حدود من قبل الإقليم والغرب.
لا أحد من هذه الأحزاب اليوم يستطيع الادعاء بأنه عقد صفقة مضمونة مع الحوثيين، لادارة شؤون الدولة، وعدا مقر الحزب الاشتراكي اليمني الذي تحول الى قاعة مناسبات في صنعاء، اضطر قادة الأحزاب الى مغادرة المدينة، وإعادة توظيف الدور بين يدي القوى الخارجية، في ظل قناعة بأن كل ماقامت به هذه الأحزاب كان صحيحا. ولما لا ألم ينقذوا الدولة من "القوى التقليدية"؟!