لم يصل الوطن اليمني إلى هذه الحالة غير المسبوقة في تاريخه من التشظي والانفلات وتكالب القوى الطامعة وتكالب الأعداء وتعدد المليشيات والخروج عن الدولة والدستور والقوانين إلا بفعل غياب الحس الوطني والضمير الديني والأخلاقي والمشروع المستقبلي الجامع والموحد القائم على التعددية السياسية والحزبية والديمقراطية وحقوق الإنسان. ولا شك أن التصدع في بنية النظام أولا قد عكس نفسه على تمزيق لحمة المجتمع اليمني، لتبرز نتوءات وتتعدد جهات التدخلات السافرة داخلية وخارجية، ليعيدنا الغياب عن مهام وطنية إلى بدائل كارثية، لعل الحوثية هي أبرز هذه المصائب التي حلت بالبلاد. والواقع أن التنظيمات السياسية والحزبية والمنظمات الجماهيرية وقد نأت بنفسها عن مسئولية مكافحة قوى الشر والبغي والفساد وخنعت وأذلت نفسها بالتهافت اللامسئول لمغريات مادية ومناصب. قد مكن المليشيات الحوثية من التوغل ليكون الانقلاب في شمال الوطن أمرا واقعا نرى العديد من الدول اليوم تحاوره وتناوره وتجيز له العبث، وتدعو إلى أن يكون ندا للدولة في الحوار والجلوس على طاولة واحدة بعد أن عملت بإتقان على إطالة بقائه بقوة غاشمة تسيطر على عاصمة اليمن التاريخية وكانت حائلًا يمنع هزيمته ووأد مشروعه الطائفي الانقلابي وفي ذات السياق برز انقلاب آخر في جنوب الوطن باسم المجلس الانتقالي ووجدناه يشكل عبئا كبيرا وسدا منيعا في طريق إعادة الشرعية، وكان ذلك بفعل انحراف سياسة التحالف عن تحقيق أهدافه المعلنة سعيا إلى تمزيق الوطن ونهب موارده واحتلال أراضيه ليبقى تدخلها المنحرف عن أهدافها المعلنة هو توزيع الانقلابيين والمليشيات على الخارطة اليمنية، بدلا من هزيمتها وإنهائها ثم بعدئذ تصل بهم إلى سدة الحكم من خلال الضغط على الشرعية ممثلة في الرئيس ونائبه لإفساح الطريق تحت عناوين زائفة وبراقة لتشكيل مايسمى مجلس القيادة الرئاسي من ثمانية أشخاص متنافرين تماما وكل له مليشياته ومهامه في عرقلة أي تقدم باتجاه تحرير الوطن من المليشيات الحوثية.
والمؤسف أن ذلك قد تم وكأنه أمر دبر في ليل، الواقع أن هذا شكل أخطر مؤامرة عرفتها اليمن ليبقى النفوذ والقوة والغلبة للحلفاء الذين يسيرون في الاتجاه المعاكس لما التزموا به إبان تدخلهم،وادعائهم كذبا وزورا دعم الشرعية الدستوريه وإنهاء الانقلاب غير أن ذلك لم يتم منه شيء ووجدنا الوطن على مفترق طرق تتوزعه قوى طامعة وطامحة، وكأنه بات نهبا للسباع ولمن له تصفية حسابات مع الجغرافيا اليمنية.
وإزاء واقع مرير كهذا وأمام معترك الراهن بكل مافيه من مآس ومؤامرات وتدخلات جهنمية، كان لابد من استحضار الوطني وتضميد الجراح وخلق المعادلة الأقوى في مواجهة من يريدون الدولة اليمنية مستلبة السيادة. ولاشك أن قوى وطنية قادرة على أن توجد نفسها وتتموضع بجدارة وتتصدر مهام العمل الوطني من بطن المأساة، وعمق الألم وقسوة الظروف وتعدد الخيانات والمؤامرات. فالوطن اليمني وإنسانه أقدر على قلب المعادلة وخلق مناخ وطني مقاوم رافض لأي مخطط يستهدف زعزعة أمن وسيادة واستقلال الوطن وسلامة أراضيه. والحقيقة أن انقلابا آخر على الشرعية الدستورية قد أحدثته تركيبة الثمانية التي استحضرتها دول التحالف وخلقتها كيانا يؤثر على مسيرة النضال التحرري ومواجهة المليشيات الحوثية، هؤلاء الثمانية (مجلس القيادة) تشكلوا أشبه بعظمة في حلق الوطني لتناقضاتهم، وتفرق مشاريعهم، وتباين سياساتهم، واختلاف وجهة نظرهم، وحتى ارتهان بعضهم الأمر الذي قد يدفع باليمن نحو حروب طائفية ومناطقية مستدامة لعشرات السنين. لعلنا هنا نذكر ما أكد عليه مجلس التعاون العربي في قوله؛ " تأكيد دعمه لمجلس القيادة والكيانات التابعة له ".. في اعتقادنا أن هذه أخطر عبارة تؤكد أن التوجه القادم هو تفكيك هيكل مؤسسات الدولة واستبداله بكيانات أخرى يعترف بها مجلس التعاون باعتبارها كيانات تابعة لمجلس القيادة الرئاسي ومن شانها القضاء على بنيوية وهيكل الجمهورية اليمنية ومؤسساتها وسلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية.
فاليوم يتجهون وبكل جراءة ودون خجل إلى استبدال مجلسي النواب والشورى بكيان ملحق بمجلس الرئاسة.
وأمام هكذا مرحلة خطيرة ودقيقة لا تتوقف عند بسط مليشيات مسلحة سيطرتها ونهبها لمعسكرات الجيش التابع لوزارة الدفاع واحتلال المدن وتفكيك هيكل الدولة اليمنية.. بل تتجاوز ذلك إلى العمل على تفكيك هيكل وبنيوية الدولة اليمنية "الجمهورية"ولذلك فإن الجميع اليوم لابد أن يكونوا في مستوى الراهن من التحديات. عليهم أن يوحدوا اهدافهم سياسيا وعسكريا وثقافيا وعقائديا في كيان جامع مانع يهدف إلى استعادة الدولة وإنهاء الانقلابات وحماية الوطن وسيادته واستقلاله،وإصلاح مسار المعركة الوطنية وإعادة الاعتبار لها ورفض مشاريع الهيمنة والتدخلات الخارجية، والالتزام بالدستور والقانون والتعددية السياسة والحزبية، والاحتكام كمرجعية للصندوق والتداول السلمي للسلطة، وتوحيد الخطاب الإعلامي والتوجهات السياسية لمؤسسات الدولة، وفقا للمرجعيات المتمثلة في المبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن 2216.وفي ذات السياق إنهاء المليشيات ودمج التشكيلات العسكرية تحت قيادة واحدة متمثلة في وزارة الدفاع والداخلية، وتطوير القوات المسلحة وتمكينها من رفع مستوى قدراتها تسليحا وتنظيما وتدريبا.والعمل في ذات السياق على إنهاء الانقلابات وكافة ممارساتها ، باعتبار ذلك خروجا عن الدستور والقوانين النافذة، ورفض أي تنازلات لأي قوى محلية أو خارجية تستهدف الإضرار بالدولة ومنع التدخل في الشئون الداخلية وإقامة علاقات متكافئة المصالح مع الأشقاء والأصدقاء والتصدي بقوة لكل ماله علاقة بانتهاك حقوق وحريات الإنسان، وفضح الأساليب والجرائم في هذا الجانب، والعمل على تقديم مرتكبيها للعدالة.
ويبقى القول إن محاربة الفساد والمحسوبية ومعالجة الاختلالات الاقتصادية وتعزيز الاقتصاد الوطني وحماية الجزر والموانئ والمنشآت الاقتصادية، هو الجانب الأهم لبناء دولة راسخة وقوية مداميكها الوطنية الثورة والوحدة والجمهورية، وتفعيل الدبلوماسية اليمنية والناي بها عن التعصبات، أو الوقوع في الارتهان لدول خارجية وتحميلها مسؤولية أي تعثر في مسار العلاقات الدولية. ودعوة كافة القوى السياسية والحزبية إلى توحيد خطابها السياسي والأعلامي لما فيه توحيد الجبهة الداخلية، وتفعيل دور المجتمع في البناء الوطني وتأجيل أي خلافات حتى القضاء على الانقلاب وعودة الشرعية، وعدم السماح لأي اصوات نشاز تدعو إلى التقسيم والتشرذم وتوتير الأجواء وتعقيد العمل الوطني، ونشر ثقافة التسامح والتعايش المجتمعي والتكافل والتعاون والحفاظ على النسيج الاجتماعي، والتأكيد على الهوية الوطنية والوحدة اليمنية ونبذ التفرقة أيا كانت، سلالية أو طائفية أو مناطقية، ومشاركة كافة الفئات المجتمعية وعلى وجه الخصوص الشباب والمرأة في عملية النهوض الحضاري والعمل الديمقراطي وترسيخ مجالات البناء والتنمية.. تلك عناوين نرى ان تتمثلها القوى الوطنية الصاعدة الخارجة من رقبة قوى الكيد والشر، والرافضة لاي تدخلات خارجية والتي تضع نصب عينيها الوطن بناء وتوحدا ومقاومة لكل مستبد ومعتد أثيم... وخلاصة القول ان الكيان الجامع الذي يتوجب لزاما العمل على تكوينه الان من القوى السياسية والحزبية والمنظمات الجماهيرية والفعاليات الوطنية والوجاهات الاجتماعية والشخصيات ذات التوجه الوطني الصادق وكل القوى النضالية والخيرة. هو أمر بات ضرورة لتحقيق غايات مثلى . الوطن أمن واستقرار وتنمية ونهوض حضاري، وسيادة واستقلال، ودستور وقانون يشكلان مرجعية لجميع أطياف العمل الوطني. هذا أمر بات ضرورة تستدعيه الوقائع ومتطلبات المواجهة لقوى الطغيان وللمؤامرات الداخلية والخارجية ولا يقبل التأجيل فالمرحلة وصلت إلى أعلى مراتب التهديد والخطورة لوجودية الجميع دون استثناء وقبلهم وجودية " الجمهورية "
وبالمختصر الفصيح نحن أمام معركة وجود؛ معركة فاصله إما يكون لنا وطن جامع الجميع وإما يتقاسم الوطن قوى النفوذ الإقليمية ومليشياتها المحلية.
وإذا لم يتحرك الجميع في هذه اللحظة لإنقاذ وجودية الدوله ونظامها الجمهوري وسيادة الدولة وهزيمة الانقلابيين فمتى يمكن أن يتحركوا .
وأقولها ختاما: من يتقاعس عن تأدية دوره اليوم في الدفع بإنشاء الكيان الجامع الموحد للجميع فإنه ودون مواربة شريك في الجرائم التي تمزق اليمن دولة وأرضا وإنسانا .. والله من وراء القصد.