لفتت نظري بعض التعليقات الناقدة في موقع المغترب اليمني ، حول فتاة يمنية ألقت كلمة الخريجين في جامعة مدينة نيويورك بحضور السيدة الأمريكية الأولى ، ميشيل أوباما.. وأفهم أن تعليم كثير من الفتيات المغتربات اليمنيات في أميركيا قضية شائكة..وتجدر الإشارة إلى أن التعليقات الناقدة لم تكن نقدا لظهور فتاة يمنية تلقي كلمة في حفل التخرج، أو إعتراضا على تعليم الفتاة، لكن النقد كان في مجمله قاسيا ومتهكما ومبالغا فيه، وهو لا يخرج عن ما أعتدناه من أساليب النقد والإختلاف في أيامنا.
- تكلمت إبنتنا عروبة، عما يمكن تسميته "أعراف" القبيلة، التي تمنع مواصلة تعليم الفتاة، وتحدثت عن قبيلة بعينها، في ظروف بعينها، ولم تعمم عن كل اليمن في شأن تعليم الفتاة ، وحتى في شأن القبيلة التي أشارت لها ربما لا يصح التعميم.. ربما هناك من سبقنها وتعلمن وتخرجن من الجامعات من نفس قبيلتها، ولعلها لا تعلم أن بنات من قبائل كثيرة ، قبائل مارب مثلا، حصلن على شهادات عليا، دكتوراه، على سبيل المثال..ولو علمت كان عليها أن تشير لذلك، لأن كلامها كما رأى منتقدوها، عن ظروف حالة محدودة بعينها، قد يفهم منه التعميم السلبي على بلد بأكمله في حال لا يقبل المزيد من نشر السلبية وتعميمها.
- قبل فترة تناقشت مع أصدقاء من منطقة يمنية يكثر منها المغتربون في أمريكا فتبين بأنه لا توجد فيها مدرسة للبنات على الإطلاق، واستغربت لأنني عرفت المنطقة من زمان، وكانت أقل ريفية مما عليه الحال عندنا، حيث توفرت مدراس البنات منذ مدة.
- هل تلزم الإشارة بأن الحديث هنا لا يشمل نتائج الكارثة الوطنية في الداخل، بكل أبعادها، وخاصة في جانب التعليم، التي تسبب فيها "مجانين الله"، وأصحاب شعار الموت لأمريكا..؟
- من الإنصاف النظر إلى كون إبنتنا عروبة مثلت أبناء الجالية اليمنية والعربية والمسلمة بما يشرف، خاصة في ظل التعميم على العرب والمسلمين بأحكام ظالمه هذه الأيام.. والحقيقة فإن ظهور عروبة المحجبة تلقي كلمة الخريجين ، يحسب لها وللجامعة وللمجتمع الأميركي، ونخبته، في سياق الحث على التسامح، وعلى تأكيد أن المتطرفين لا يمثلون حقيقية الإسلام والمسلمين.. كما أن حضور السيدة الأولى في أمريكا يأتي في نفس السياق ويعبر عن نفس الأهمية والإهتمام ، وهي تشكر على ذلك، مع حفظ حق الإختلاف والنقد لسياسة زوجها فيما يخص قضايا منطقتنا.
- لم تجانب عروبة الحقيقة تماماً، عندما أشارت إلى أن هناك مغتربين يمنيين لا يرغبون تعليم بناتهم هناك وقد يفرض البعض، وإن كانوا قلة جدا، عليهن زواجا قسريا أو ما يشبه ، لكن لا بد من إدراك أن ذلك يأتي في سياق الحرص على بناتهم من الذهاب بعيدا عما يرونه صميميا وعميقا وبناء في معتقداتهم وأعرافهم وتقاليدهم .. والتحدي هنا، هو كيف يمكن التوفيق في توفير أقصى حق وحد ممكن من التعليم والمعرفة لفتياتنا المغتربات، مع المحافظة على الموروث الراسخ من القيم الحميدة والسلوكيات البناءة .. التحدي هنا هو لعقلاء الجالية ومثقفيها، ويلزمهم تقديم ورعاية مبادرات عملية في هذا الجانب مثلما يفعل آخرون من أمم مختلفة.
- بقي شيء مهم وهو ضرورة أن يكون النقاش لمثل هذه القضايا رصينا وهادئا وعميقا ومسؤولا بعيدا عن رمي التهم جزافا ، وبالإبتعاد عن كل ما يحسب شتما، أو تهكما في غير محله .. وما نحن فيه من تمزق كاف، لجعلنا نفكر كثيرا في كل كلمة نقولها، أو موقف نتبناه.. قبل شهور إنزعج الألمان من صورة كاريكاتور ظهرت فيه المستشارة ميركل، وقال كثيرون : هذا لا يصح ، فهو ينشر السلبية في المجتمع.. دماؤنا وحروبنا هذه التي نحن فيها كان أولها كلام.
بدت إبنتنا عروبة، اليمانية، مندهشة وفخورة وهي تتحدث وتقول لأبيها : أنظر، هاهي ابنتك تخطب في هذا الحشد النوعي الضخم، وهاهي السيدة الأمريكية الأولى تصغي وتسمع وتصفق.. ولعل عروبة، وهذا أسمها، أرادت أن تقول أيضا لعشيرتها بني منصور : هاهي ابنتكم تتخرج من هذه الجامعة العريقة التي تخرج منها كولن باول وآخرون ممن حازوا على نوبل في علوم مختلفة .. وتضيف : أعدكم أن أرفع رؤوسكم دائماً في التحصيل والتفوق العلمي والتمسك بأهداب القيم ولتقاليد الحميدة .. أعدكم أن أكون نموذجا إيجابيا يقتدى دائماً.
وأقول : لقد شرفتينا يا عروبة..شرفتينا يا يمانية..
فشكرا لك ..
من حائك الكاتب بالفيسبوك