حضور وفد مليشيا الحوثي في إحدى مفاوضات جلسات الأردن، بشأن فتح منافذ تعز بالزي العسكري، كانت رسالة بالغة الاستعلاء بجهود عملية السلام.
مظاهر استعراض القوّة وفرد العضلات الحوثية ليست جديدة، ولها مصادر ومغذّيات رئيسية.
هذا الاستعراض والاستعلاء ما كان له أن يصل إلى هذه الذروة، لولا جرائم حرب السعودية في اليمن، وتدخلها بشكل فاشل وغادر.
لن تكون هذه الصورة الأولى ولا الأخيرة، فمنذ سنوات يقدم الحوثيون أنفسهم جماعة حرب وسلاح دون مواربة.
المشكلة في الأطراف الأخرى التي منحتهم فرصا عديدة لمضاعفة ترسانتهم المسلّحة، وتهديد اليمنيين ودول الجوار.
ثمة تجليات كثيرة لحالات غدر السعودية غير المرصودة غالبا، منها أنها قدّمت كثيرا من الناشطين اليمنيين طعما سائغا للحوثيين في بداية تدخلّها خلال عام 2015.
وقع الكثير منهم في خدر النشوة والبهجة الظاهرة لحظة انطلاق عاصفة الحزم والحديث عن السيطرة الجوية وتحييد القدرات الصاروخية للحوثيين.
في محطات عديدة، كانت السعودية ترمي بالونة اختبار لكي تجعل البعض يجدد آماله بصحوتها وجدّيتها لكسر شوكة المليشيا، لكن دون جدوى.
لقد نصبت أفخاخ وأحابيل شيطانية لليمنيين، وأغرقتهم في أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
مع ذلك، تجد البعض يصرخ الآن: أرجوكم لا تعطوا المليشيا قيمة. تجاهلوا هجماتها على السعودية، لأن التركيز عليها يعطي الحوثي زخما معنويا كبيرا، وهنجمة زائدة على المدنيين في الداخل.
لكن السعودية لا تعمل على تغيير هذه الصورة المنتظمة منذ سبع سنوات. هي تتقصد سياسة بقاء سيطرة الحوثيين وطغيانهم على المدنيين.
جرائم الحرب هي من دفعت مليشيا الحوثي إلى صدارة الإعلام الدولي، حيث يتردد بأن أغنى الدول في العالم، التي تحوز صفقات أسلحة ضخمة من الغرب على مدى عقود، استخدمته ضد بلد فقير.
هكذا يصنّف الإعلام الدولي مسرح ما يجري من أحداث في اليمن. كان واضحا للجميع أن المليشيا تتغذّى على الدم وعلى الأوضاع الإنسانية المزرية.
هذا ما وفّرته السعودية: غارات جوية استهدفت قيادات الجيش الوطني. ضحايا مدنيون جراء الغارات. فرض حصار جوي وبحري وبري. دعم جماعات ومليشيا في محافظات الجنوب. احتلال مناطق حيوية، وتعطيل إيرادات ومصادر الثروة اليمنية بشكل سافر ومقصود.
الحقيقة أن سياسة المملكة لم تدخّر وسيلة لإدانة نفسها بجرائم الحرب في اليمن، وزادت بأن مكّنت الحوثيين من فرص صناعة قدرات صاروخية تصل إلى عمق أراضيها.
من الطبيعي أن تبلغ الفتوة الحوثية ذروتها لحظات تناقل الإعلام الدولي وصول الصواريخ الباليستية والطائرات الهجومية المسيّرة إلى قلب الرياض، ومناطق الطاقة العالمية.
مثل هذه كانت أمنيات وتكهنات بعيدة الاحتمال، خاصة من جماعة تعيش في كهوف الظلام الغابرة.
تبدو طهران محظوظة جدا، فهي لم تدخل الحرب بشكل مباشر حتى الآن. معها أدواتها وجغرافيّتها التي اقتطعتها بصورة متصاعدة خلال السنوات الأخيرة.
يمكنها الآن أن تفاوض على المزيد من المكاسب في ملفات العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن.
إذا كانت السعودية اهتدت مؤخرا إلى رغبة المفاوضات المذلة، ولو على حساب استمرار معاناة اليمنيين، لكي تحمي أراضيها من الهجمات، لكن من المؤكد أن هذه الحماية ستظل مؤقتة ومعرّضة للخروقات والابتزاز.
الطبيعي أن تحضر وسائل الإعلام في هذه النتائج الكبيرة، كما في غيرها، بالتناول والتحليل.
لكن ليس من مهمّة وسائل الإعلام إخفاء سوأة السعودية في اليمن. يدها ملطخة بدماء الأبرياء.
هذه جرائم حرب، كما أنها قدّمت فرصا ومنحا كثيرة للحوثيين، وشدت من عضدهم بدخولها معركة ناقصة بحسابات ثأرية تاريخية ضد اليمن أرضا وإنسانا.