لم يكن متوقعاً أن تكون عاصفة الحزم سوى عصف بالوطن اليمني وإدخاله حالة إنهاك غير مسبوقة في تاريخه، بعد انحرافها عن تحقيق أهدافها المعلنة ليبقى الصراع هو العنوان الأبرز دونما الحسم ولتبقى الحرب مفتوحة بلا نهاية، في المقابل ثَمَّةَ أجندة أخرى اشتغل عليها التحالف لتحقيق الخفي من المخطط باسم عودة الشرعية والقضاء على الانقلاب كهدف استراتيجي لتدخله في اليمن، فلاذا تأتَّى ولاذا حصل، ليستمر الانهيار الشامل حد استلاب القرار السيادي وإفقاد الشرعية استقلالها باتخاذ القرار في إدارة المعركة والمعبر عن سيادة واستقلال الوطن.
ومن عاصفة الحزم إلى عودة الأمل بقي الوطن متشظّياً وبدلاً من إنهاء انقلاب الحوثي، جيءَ بانقلابيين آخرين، في الجنوب باسم (الانتقالي) وتم تجهيزه وتدريبه وتمكينه من القرار على أرض الوطن، فهو صاحب السيادة بدلاً عن الشرعية، ليواجه الرئيس الشرعي (هادي) ونائبه (محسن) معضلات إضافية وقوى متمردة تم صناعتها بدقة فائقة لتكون نداً للشرعية وفي مستواها، بدلاً من أن تحاكم كقوى متمردة وتخضع للدستور والقانون. الأمر الذي أعاق إنجاز مهام وطنية ليدخل الوطن في قضايا ليست قضاياه، وإنما تمت صناعتها لأغراض أخرى. وقد رأينا (الانتقالي) وهو يقابل الشرعية على طاولة واحدة ويفاوضها ويجري معها مباحثات، بل ويطردها من الأرض اليمنية التي من المفترض أن تقضي من خلالها على الانقلابيين في الشمال، لتستمر مسرحية (تراجيدية) تدخل فيها الشرعية وتلعب أدوارها بلا حول لها ولاقوة، فيما التحالف يرسخ أنياب الشر أكثر عبر تمكين (الانتقالي) من الجنوب والوصول بالأمر إلى مرحلة التفاوض الذي جرى باسم اتفاقية (الرياض) التي بقت مجرد حبر على ورق، فلا تم تنفيذ الشق العسكري من الاتفاق، ولا عادت الشرعية إلى أرض الوطن، ولا الوديعة تم إرسالها الى البنك المركزي. بمعنى أننا أمام توجهات غير مسؤولة وتحالف لا يرغب في الوقوف مع الجمهورية اليمنية في استعادة الدولة، قدر رغبته في إدخال البلاد متاهات لا تنتهي.. لن نذكر ما قام به التحالف من قصف لجيش الشرعية عدة مرات في مأرب وعدن وغيرها من المعارك التي يتدخل فيها طيران التحالف لصناعة هزيمة للجيش الوطني عندما يراه قاب قوسين من النصر.
ولاشك أن ذلك التخاذل قد جرّ تبعاته على (هادي ومحسن) واتهامهما بالعجز والفشل، فيما الأمر وبوضوح كان بفعل التحالف الذي أراد أن يحمل المسؤولية الرئيس ونائبه، ولعله قد أنجز هذه المخطط بنجاح، لنصل إلى سحب البساط من الشرعية وإجبار الرئيس ونائبه على التخلي عن منصبيهما السياديين، وقد فعلا ذلك تحت ضغوط غير عادية شكلت خطراً على حياتهما. لنجد أنفسنا أمام مرحلة أخرى صنعها التحالف على أنقاض سبع سنوات من الفشل هو مجلس القيادة الرئاسي المكون من ثمانية أشخاص كبديل عن الرئيس الشرعي ونائبه. لعل هذا المجلس قد يقع في ذات المؤامرة إن لم يكن قد أدركها ويغض الطرف عنها، وهنا يشكل الأمر سابقة خطيرة ترقى إلى الخيانة الوطنية العظمى، ولا نظن أنه يقبل بذلك وهو أمام امتحان عسير في مواجهة تحديات وعقبات معظمها صنعها التحالف، كـ(الانتقالي) واحتلال (المهرة وسقطرى) والحصار الاقتصادي والمواعيد لحلول لا نقع عليها ومجرد تظليل وزيف وخداع تشبه أضحوكة انضمام اليمن إلى منظومة الخليج أو الانتقال به إلى مصاف الدول الأوروبية، وهو كلام أقرب إلى التندر بحال اليمني ونوع من التهكم والسخرية التي أنتجها الجوع والحصار.
في كل الأحوال، المجلس الرئاسي اليوم وحتى اللحظة لا نراه قد أنجز شيئاً أو اتخذ قراراً سيادياً واحداً يعبر عن عزمه في استعادة الوطن ودحر الانقلابيين شمالاً وتصحيح الاختلال جنوباً أيضاً.
وما نراه إلا في ذات الخطى التي اشتغل عليها التحالف مع الرئيس الشرعي ونائبه مالم نجد خلاف ذلك، من خلال خطوات واضحة وملموسة تتمثل في تنفيذ الشق العسكري من اتفاقية الرياض، والالتزام بتقديم الوديعة للبنك المركزي، وعودة مؤسسات الدولة إلى أرض الوطن لتمارس مهامها السيادية وتسليم مرتبات الجيش الوطني، هذا كتعبير عن جدية المرحلة. بدون ذلك إنما هي لعب وفوضى وعبثية يقع فيها بدراية مجلس الثمانية، مالم يكن له قرار وطني شجاع يعبر عن إرادة حرة وسيادة واستقلال وطن. ودعونا نقول بوضوح لمجلس الثمانية: أمامكم تجربة الرئيس الشرعي ونائبه مع التحالف، وهي تجربة ثرية تمكنكم من تجاوز السلبي باقتدار إذا أخذتموها بصدق في عين الاعتبار. أما إذا كنتم مجرد (شُقاة) مع التحالف لتنفيذ أجندته في اليمن فستقعون في مستوى الهوان وحينها لا ينفع الندم وقد جيء بآخرين بدلاً عنكم بعد استهلاككم، وليقل بعد ذلك التحالف إنه جاد في الدخول إلى مرحلة جديدة. فيما كان يستطيع أن يكون جاداً وفاعلاً وحاسماً في أول ليلة قصف انطلقت فيها طائراته باتجاه الحوثيين لو أنه انبنى على نبل المقصد واشتغل بصدق مع الرئيس الشرعي ونائبه ولم يفت في عضديهما ويعمل على إفشالهما حتى تحقق له ذلك.
ومن مكامن الجدية في صدق النوايا نتساءل بكل شفافية:
ماذا قدم التحالف لمجلس الثمانية من عوامل النجاح وكسر حصار عوامل الفشل التي تحاصرهم بلا استثناء حتى لأدواتها الناجعة؟!..
كل ما قدمه التحالف اليوم للمجلس الرئاسي هو القرار الموقّع من الرئيس هادي وعدداً من الغرف المحاصرة بجنود لا ينتمون حتى اللحظة لوزارة الدفاع .
وختاماً نقولها وبأعلى صوت: لم يعد لدينا وقتاً للتجارب والضياع .. فالوطن ومن عليه يحتاجون اليوم إلى أفعال فورية لا عود مهما كانت جذابة المنطق والتعبير .
ويبقى السؤال الأكثر رواجاً في عقل كل يمني: هل يرفع الأشقاء عن (العليمي رشاد) حصار عوامل الفشل التي زرعوها بأيديهم, وتمكينه من إدارة أدوات النجاح والنصر سلماً أو حرباً؟!!!..
ويبقى الخيار لرجال الرجال ..