قصة العملاء اليمنيين للسعودية قديمة جدا، ولا يفرق في هذا بين نخب الحكم وبين النخب من خارجه.
على سبيل المثال، عندما أراد الإمام أحمد القضاء على ثورة 1948، واسترداد ملك أبيه، عرض نفسه على الملك عبد العزيز آل سعود بشكل مخجل.
قال في خطاب للملك إنه مستعد أن يكون ابنا له إذا رضي أن يكون له أبا، محذرا إياه من "الإخوان المسلمين" ومن ثورة الدستوريين على العروش في المنطقة.
استجابت السعودية لهذا الخطاب المتذلل والخاضع، ووقفت بكل إمكانياتها ضد الثورة الدستورية، ودعمت الإمامة بالسلاح والمعدات، ومنعت وفد الجامعة العربية من الوصول إلى اليمن.
حدث كل هذا رغم ما كان بين الطرفين من شقاق فكري ومذهبي وحروب حدودية.
يفيد استرجاع هذه القصة للدلالة على مدى ارتهان أنظمة الحكم اليمنية للأسرة السعودية، وسياسة الأخيرة الثابتة تجاه اليمنيين وثوراتهم.
وبعد قيام ثورة 26 سبتمبر، عملت السعودية على عودة النظام الملكي، وآوت عناصره في أراضيها، ومنحتهم الجنسيات والامتيازات. حين فشلت، انتقلت إلى صف النظام الجمهوري.
السيِّئ أن المملكة تجد دائما عملاءها على الأرض اليمنية. دائما، ثمة من يقدّم نفسه للعمل والارتهان.
في إحدى المقابلات الصحفية، قال الرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، إن السعودية عوّدت اليمنيين "تدي زلط"، معتبرا ذلك عادة طبيعية جدا، في معرض حديثه عن منح "اللجنة الخاصة" أموالا شهرية لآلاف السياسيين ومشايخ القبائل والفاعلين في مختلف المجالات، ابتداء من رئيس الجمهورية وحتى أصغر شيخ قبلي.
كانت النخب المدنية عادة ما تثير هذا الملف بحنق كبير على أساس أن مشكلة العمالة مرتبطة بالقبيلة، وتعتبرها أساس خراب البلد.
لكن المرحلة الحالية، كانت كاشفة للجميع. تبيّن ألا فرق بين القبيلة ودعاة المدنية أو بين الإسلاميين والقوميين واليساريين. الكل وجَّه قبلته نحو الرياض.
قد يكون أسوأ ما في نخبنا، ليس رخص الارتزاق، هناك أيضا صفاقة وظهور دعي بثياب الطهر والنقاء.
البعض لا يخجل من حمل هذه الصفة. لا يكتفي بدفع التهمة، بل يذهب لإثارة غبار الشكوك حول القيادات الميدانية المقاومة على الأرض اليمنية.
يفعل ذلك بهدف تبييض صفحة السعودية، ودرء فشلها في الحرب الحالية.
الواقع يؤكد أنه ليس بالمال وحده أفسدت السعودية صف الشرعية في مواجهة الحوثيين.
المملكة موّلت بالمال والسلاح المليشيات شمالا وجنوبا وشرقا، وأنشأت مراكز قوى وتيارات سياسية وعسكرية.
يبدو أن المجلس الرئاسي الحالي آخر نسخة محدّثة من العمالة.
بعثته الرياض على عجل في أبريل الماضي، ليبدأ مهمته الغامضة. مجلس بتوليفة متناقضة، في بلد مدمّر، فضلا عن كونه تحت إمرة السعودية والإمارات، ولا يمت لأجندة اليمن بصلة.
جاء إنشاء المجلس ليثير تساؤلات عن مدى قدرته لاستعادة الدولة من مليشيا الحوثي، وتطبيع الأوضاع الأمنية والاقتصادية والعسكرية في بقية المحافظات المحررة.
لكن من الواضح حتى الآن أن المجلس عطّل قضية استعادة الدولة من الحوثيين، وذهب لتقديم التنازلات المطلوبة والحديث عن سلام مستحيل مع المليشيا.
هناك تقدير مؤكد أن المجلس لن يتواجد في عدن إلا بصورة شكلية، وتحت حماية أمنية مشددة، وحتى هذه يبدو أنه سيفقدها مع بدء موجة اغتيالات تستهدف قيادات عسكرية.
المسار الشامل، الذي يجري في البلد منذ فترة، لا يؤشر إلى أن هناك جهودا حقيقية لعودة البلد موحّدا بسلطة مركزية أو حتى بفيدرالية الأقاليم الستة، التي نصّت عليها مخرجات الحوار الوطني.
الأخطر من كل ذلك أنه أضحى لدينا تشكيلات عسكرية على الأرض، ولم تبذل -خلال الفترة الماضية- أي جهود حقيقية لإذابتها تحت سلطة عسكرية.
وليس في تصوّرنا أن تكون مثل هذه المهمة للمجلس الرئاسي، في حال قرر العمل على ذلك، سهلة وميسّرة.
ما يظهر أن المجلس مسترخٍ في "معاشيق"، فهو أصلا أحد منتوجات السعودية ويتلقى تعليماته منها، وقد تستدعيه إلى عاصمتها الرياض متى شاءت، وقدّرت ذلك.
لن يمر وقت طويل كي نتبيّن بأنه كان لدينا نافذة صغيرة للعمالة برئاسة هادي، وأصبحت الآن شبكة أعضاء متشاكسين فيما بينهم، لكنهم وادعون في حضرة وسطوة البلاط الملكي.