الدخان الأسود المتصاعد في سماء السعودية، خلال اليومين الماضيين، جراء ضربات مليشيا الحوثي على منشآت أرامكو النفطية، ليست سحابة شؤم عابرة.
لأول مرة، تبدو الأجواء الملبدة بالغيوم السوداء شديدة الشبه بما جرى في نيويورك الأمريكية صبيحة يوم 11 سبتمبر 2001م، عندما فجرت عملية انتحارية بطائرات مدنية، هزت الرأي العام الدولي، برجي مركز التجارة العالمي.
رمزية الطاقة العالمية في أرامكو تعرضت، خلال الأونة الأخيرة، إلى سلسلة ضربات، الأمر الذي دفع المملكة إلى التهديد بعدم تحمّل مسؤولية نقص في إمدادات البترول إلى الأسواق العالمية.
يأتي ذلك في ظروف عالمية شديدة التعقيد والاضطراب، جراء الحرب الروسية على أوكرانيا، وضغط واشنطن بهدف زيادة إنتاج النفط.
يبدو أن محاولات محمد بن سلمان للهروب من الهيمنة الأمريكية ستكلفه كثيرا.
لقد تُرك وحيدا في مواجهة أول تجربة حقيقية للمواجهة العسكرية مع مليشيا مدعومة من طهران.
كما بات واضحا أنه سيكون سبب دخول مملكته مستنقع الحرب في اليمن، ولن يستطيع الخروج منه بسهولة، مهما حاول عقد مفاوضات مع المليشيا الحوثية من جهة ومع طهران من جهة أخرى.
عُرى العلاقة بين الحوثيين وإيران أكبر من حسابات السياسات الغبية للمملكة.
لطالما ظلّت النظرة السعودية لنظام الحكم في اليمن تشكّل معضلة تاريخية.
تعتقد السعودية أن صناعة نظام حكم في جوارها يشابه ملكيتها الوراثية أنسب وأفضل.
هكذا تعاملت مع محاولات اليمنيين الثورية منذ العام 1948.
هل لا تزال هذه الرؤية قائمة؟ يبدو ذلك.
لكن سيتبين، كم كانت رؤية عديمة ومعزولة عن المتغيّرات الجديدة في المنطقة.
إيران في سبيل التحول إلى دولة مسيطرة ومهيمنة في المنطقة، وهي لا تتخلى عن حلفائها ومليشياتها، وليس في وارد المليشيات تحويل تحالفاتها مع السعودية بديلا عن طهران.
لقد خبر العالم إيران على مدى أكثر من ثلاثة عقود.
لم تتغير سياسة طهران.. إيران هي الثورة وتصديرها، وهي الملالي والعمامات السوداء وشعارات "الله واحد.. والخميني قائد".
طهران تؤكد بشكل واضح لا غموض فيه أنها تسعى لتصدير الثورة من خلال وكلائها في المنطقة.
هم وكلاء معروفون ويفصحون عن أنفسهم فكرا وعملا في الميدان والضربات المسيّرة.
هل تحتاج السعودية بعد كل ذلك إلى من يذكرها بهذا الخطر؟!
ليتها وفّرت وسيلة مناسبة للدفاع عن سياساتها "العبيطة".
فقط مجرد شكوى وتهديدات محمّلة بالعار.
من الواضح أن سياسة بن سلمان ستعرّض المملكة إلى الابتزاز من واشنطن، بدلا من الخروج عن الهيمنة.
ستصبح كذلك تحت رحمة ضربات المليشيا المسيّرة والصاروخية.
هل يوجد شك في ذلك؟ هل هناك رسائل أخرى، غير هذه المؤشرات الواقعية والمرئية؟ كل ما كان مجرد تحليلات وتخمينات قبل سنوات، أضحى واقعا في السعودية.
اللافت أن حالة الاستلاب التي عاشها الرئيس هادي وخدر بها قطاع واسع من الشعب اليمني، حتى تمكنت مليشيا الحوثي من إسقاط الدولة والهيمنة على المشهد، تسحب نفسها على الحالة السعودية مع الحوثيين خلال سنوات الحرب.
عندما انطلقت عاصفة الحزم قبل سبع سنوات، كان البعض يردد -على سبيل السخرية غالبا- "أسبوع واحنا في الرياض".
كم كان ذلك يبدو مستفزا أمام التغطية الجوية الضاربة لمقاتلات التحالف، وسط تأكيدات وبهرجة إعلامية بتدمير الطائرات، ومراكز القيادة والسيطرة والاتصالات، وشل القدرة الصاروخية للحوثيين خلال دقائق.
كانت التوقّعات بأن المليشيا لن تستمر في العاصمة صنعاء أكثر من أسبوعين.
كانت هذه أيضا رسالة الرياض المزيفة إلى واشنطن.
لكن بعد سنوات، تبيّن -بما لا يدع مجالا للشك- أن الحوثيين أقوى قدرة للوصول إلى عمق السعودية، وتهديدها في أهم سلعة مصدّرة للعالم.
لا توجد رسائل أخرى تختبئ خلف الغيوم السوداء، غير سقوط الهيبة، وبداية الانهيار لمملكة شائخة، مارست سياسات ماكرة، وكيدا ارتد إليها بعد محاولات تصديره إلى الجوار.