إن أسوأ ما تخلّفه الصراعات والحروب في حياة الشعوب، ليس حجم الدمار والخراب والإيغال في القتل وسفك الدماء، فحسب، بل هناك ما هو أسوأُ وأفظع وأشنع، وأشد قبحاً وظلماً، لا يمكن أن يمحى من ذاكرة الشعوب وأجيالها مهما طال الزمن، أو تقادمت عليه السنون والأحداث.
من تلك المآسي والمظالم العظيمة التي تظل عالقة في ذاكرة الأجيال، ولا يمكن للزمن أن يمحو تلك الوصمات الّلاإنسانية الفجة والعارية من الأخلاق والأعراف المجتمعية والقيم الدينية والإنسانية، كتلك التي صنعها ويصنعها "الأخلاء" من المرجفين وتجار الحروب في رحى المعارك، أو بعدها.. فذلك ديدنهم في كل حرب وفتنة!
"والفتنة" أشد وأكبر من القتل كما وصفها الخالق عز وجل في كتابه المبين" القرآن العظيم". "الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِين"َ.
سورة الزخرف- (الآية67). والأخلاء- في هذا كثيرون ممن يناصبون اليمن واليمنيين العداء ليلاً ونهاراً، ومنذ قرون.
إذ تحمّل اليمنيون حقد أولئك وظلمهم تارةً وقاوموهم تارات أخرى، حتى ضجت بهم الحال ولزم خوض النضال وكشف الحقيقة للأجيال.
والسؤال: لماذا يفعلون كل ذلك ضد أبناء تعز، خاصة؟!
والجواب بكل بساطة: لأن أبناء تعز يمثلون الطاقة الحيوية الهائلة النابضة بالحركة العلمية والمعرفية الواعية والحامل الحقيقي للمشروع الوطني الحضاري والثقافي الكبير لليمن قاطبة قديمًا وحديثًا.
لذلك، كان استهداف أبناء تعز من قبل هؤلاء الأعداء بأعمالهم وأفعالهم هذه، وتلك التي صاغوها بقالب عشوائي وفوضوي فيه من الدراما الرخيصة المبتذلة، والسخرية المنكرة، والحوارية المقززة الماجنة بعناية، لطمس وتدمير صورة تعز والتعزي، ومسخها وحرقها في ذهن المشاهد والمتابع من أبناء هذا الجيل، وربما مايتلوه!
لقد استهدف هذا العمل- المسخ- الذي لا ينتمي إلى أي عمل فني درامي، فلا هو فيلم من الأفلام، ولا هو مسلسل من المسلسلات الدرامية( كوميديا- أو تراجيديا) ولا هو لعبة من لعب الأطفال (كرتونية- أو محاكات خياليةأو واقعية).
إنه خلط غثائي مصور في (30 جريمة)- حتى تاريخ كتابة هذه المادة.. كل محتوى من محتوياته يعد جريمة أدبية وأخلاقية يعاقب عليها القانون الدولي والإنساني للصحافة والنشر، وكافة المطبوعات والمرويات، والمجرمة في أعرافنا الإسلامية، وقوانينها المحلية.
لقد استغل قطيع الأعداء هؤلاء- بخبث وحقد دفين- ظروف الحرب والحصار المطبق على اليمن عامة، وعلى تعز خاصة، كما استغلوا ثورة الفضاء الرقمي والمعلوماتي المفتوح، والشبكة العنكبوتية، ومواقعها ومحركاتها وتطبيقاتها الواسعة، لينشروا سمومهم ويوجهوا سهامهم ضد تعز وأبنائها، ومشروعهم الثقافي والحضاري برمته.
ومما يؤسف- أن هؤلاء الخبثاء- قد جعلوا من "اللهجة التعزية"- وصور لمسميات بعض المعالم- تبدو- وكأنها شاهدة على حقيقة ما يجري في واقع الحال، حتى انطلى وينطلي على العوام من المتابعين والمشاهدين لا سيما صغار السن، وغير المتنورين.
إن هؤلاء الأعداء مثلهم في (سورهم هذا) كمثل الذين من قبلهم: "يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ". سورة الحديد (الآية 13).
لم ولن ينطلي هذا الغثاء والهراء المسمى يوميات "طافش والمفصع" على أبناء تعز وأمثالهم النجباء، والعقلاء الراشدين من أبناء اليمن، كما لم تنطلِ سابقاتها من الطلاسم والترهات الدرامية، كـ"أحمد ياجناه"، و"طاهش الحوبان"، مروراً بـ"دحباش"، وغيرها- التي سرعان ما كشف زيفها وكذبها عقلاؤنا النجباء الرواد من أبناء تعز، واليمنيون الأفذاذ..
كيف سينطلي هذا العبث الرخيض والعار، في جبين الأدب والفن الهادف؛ وقد نال من كل شيء جميل في تعز الأرض والإنسان والتاريخ، دنسه بخزعبلاته وأفكاره المريضة الحاقدة، بكل حقارة وصفاقة وابتذال، محولاً إياه وإخراجه في هذا العمل إلى صورة مشوهة مزرية عارية من كل القيم والأخلاق والأعراف الإنسانية..
لقد جعل من طفل تعز عديم التربية، نزيل الشوارع، عدوانيًا، وكذلك صوّر الأب التعزي بساذج غير مبال، طماع وجشع يحب المال ولا شيء سواه.. وفي مشهد آخر، صوّره بأنه شهواني، وذو استعداد لارتكاب كبار المحرمات والجرائم الجنسية.
كما صور شاب تعز بعد أن وصفه بأقذع النعوت والألقاب بأنه شخص عديم النفع والجدوى، وغير صالح البتة لأي شيء ولا حتى في الدراسة، ولا في أي عمل، وصوّر الأم التعزية بعد أن وصفها بنعوت، لا نعلم من أين أتى بها، وما يقصد بها؟! وقدمها كـ(ق....) حقيرة مستهترة لاتدري ماذا تفعل؟ ولا ماذا تقول؟!.
كيف لا؟ وقد قدم المدير التعزي بصورة الساذج البليد الراض بكل ما يحصل له وعليه.
أما التاجر التعزي، فقد أظهره بصورة مزرية، شكلاً وخنوعاً!! وقدم مشروع تعز المدني بصورة مخجلة، عبارة عن شارع مسفلت ذي أزقة فرعية مرصوفة بالحجارة تكتظ فيها المركبات، ولوحات الإعلانات التجارية، والمتاجر وبعض الشركات..
وفي خلفية الشارع تبدو وعلى باب الزقاق البعيد هناك لوحة لقسم شرطة "باب موسى"؛ ورجل المرور يظهر لنا بقفاه، وبقبعته، وبعض بزته واقف لا يتحرك.. وقِسْمِهِ يشاهد العبث وفوضى منظومة المرور.. كأن مخرجهم يقول: إن منظومتي الأمن والنظام في تعز، بلا نظام وأنهما واقفتان ترقبان العبث وتفاحيط "المفصع" فقط!!
تلك هي المدنية في تعز، كما أراد أعداء تعز تصويرها للمتلقي.. بأنها خراب، بأنها عذاب، بأنها قراح بنادق وسطو على المحال، والمنازل، ومعاكسة النساء، وتقطع في الشوارع والأزقة، والطرق لنهب المارة، وهتك أعراضهم، وأن الشاب المقاوم في تعز، كما صوره الأعداء في هذا العبث الرخيص المسمى "طافش والمفصع" هو من وجهة نظرهم"عبارة عن صورة كرتونية بشعة رخيصة، ومبتذلة، مهلهلة شكلاً، عديمة النفع والجدوى، حالة مرضية مركبة وعجيبة، فهي (كما صورها) أن مقاوم تعز شاب أخرق مزاجي بلطجي، وسخ المخبر والمنظر، مندفع ومتهور، ومدمن على تعاطي المخدرات، والمسكرات، ومضغ القات، يقتل أي شيء متحرك أمامه، بسلاحه، أو بغير سلاح، حتى الكلب قتله عنوة بعجلات الميكروباص، بلا قيم ولا أخلاق، وعلى استعداد تام ومسبق لفعل أي شيء من أجل الفلوس، وأنه معجب بنفسه كل العجب فقط، ويكره الآخرين جميعاً، وأنه على نشأ وتربى على هذا الحال في وسط رديء، وفاشل في كل شيء في حياته، يعيش على الكذب والنصب والتدليس والاعتداء ونهب حقوق الآخرين، وأموالهم وقتلهم [كما يرى - العدو- مخرج هذا العبث] وبإجماع أهله وخاله ذاك الوسيط، ومن ذا الذي يمكنه أن يزوج ابنته من شاب مقاوم من تعز؟!.
فليكن الحل [كما يرى مخرجهم] إلا ضبط صعلوك تعز " المفصع" وإعادة تربيته من جديد عن طريق" صاحب السيارة اللجزز" حيث يظهره" المخرج "بأجمل الصور وببذلة العريس، وخلفه إثنين من الحرس يتبعانه، بعد ماعلم من أب العروس" أميرة" أن شاباً يضايقها في الشارع اسمه" المفصع"، فيقرر صاحب السيارة اللجزز عقابه وتربيته من جديد، فيذلوا إليه.. وبكل سخرية للسؤال عن المدعو" المفصع" فيقول له: أنا! وهنا تكشف لنا لهجة صاحب السيارة (اللكزس) هوية الجناة الحقيقيين، واللاعب الحقيقي الذي يقف خلف إنتاج سيناريو هذا العمل وتداوله، والترويج له بين أوساط شبابنا وأطفالنا.
* المقال خاص بـ"الموقع بوست"