حينما قامت ثورة فبراير كان هدفها واضحا إسقاط نظام صالح، وذلك استنادا لجملة من المبررات والأسباب حينها.
وفقا لهذا كانت مطالب الجماهير إبعاد صالح وعائلته من مفاصل الدولة التي استأثروا بها لسنوات، وفسدوا وأفسدوا، وهذا كان الهدف الذي رفعته ثورات الربيع العربي في كل بلدانها، حينما طالبت باسقاط التوريث والرؤساء الذين سعوا لتوريث الجمهوريات لأنجالهم وعوائلهم.
ووفقا لهذا جاءت المبادرة الخليجية، وحددت صالح بالاسم، وطالبته بالرحيل، وانتهت الأوضاع بخروجه من الحكم ونقل السلطة لنائبه.
لم تحضر حينها الجمهورية كشكل من أشكال النظام السياسي باعتبارها هدفا للثورة، وذلك أن المطالب الثورية كانت إزاحة لعائلة حاكمة فاسدة، بعد سعي زعيمها لتوريث السلطة، أما الجمهورية كنظام للدولة فلم تكن مهددة حينها كما هو الحال اليوم، والشاهد الانتقال الذي حصل للسلطة من صالح لهادي.
لذلك الإمامة والسلالة لم تكن حاضرة حينها كمهدد للنظام الجمهوري، ولم نشهد بيان للثوار في أي محافظة أو شعار ثوري جرى رفعه في الساحات أو بيان سياسي طوال 2011 كان يحذر من الإمامة أو يلوح بها كمهدد للدولة والجمهورية بما في ذلك البيانات الصادرة عن حزب المؤتمر الشعبي العام وحلفائه كطرف آخر، وكذلك لم يرد أيا من هذا في بنود المبادرة الخليجية، ولا وثيقة الحوار الوطني، بل كان هتاف الجماهير الهادرة " ارحل"
.
عودة الإمامة ومهددات الجمهورية والفكر السلالي الطائفي كانت واحدة من ردات الفعل التي أظهرها صالح وحزبه وعائلته تجاه خصومه الذين أخرجوه من السلطة، فتحالف مع الحوثيين، وأوصل البلد لهذا الحال، ويشترك معه أيضا من تقاسموا معه نصف سلطة، وتدخلات الخارج أيضا.
لهذا فبراير كثورة لا تتحمل وزر عودة الإمامة التي أراد بها صالح أن يؤدب الشعب كاملا، بل كانت كاشفة لطبيعة وماهية حارس الثعابين، الذي بمجرد خروجه من السلطة ظهرت كل تلك الثعابين التي تربت في جحره لعقود.
لذلك ينبغي التفريق بين فبراير كثورة استوجبت مبرراتها ودوافعها، ويجري تحميلها اليوم الوزر، وبين دعوات الإصطفاف والاحتشاد الجمهوري التي يطلقها البعض الآن كنوع من التكفير عن الثورة أو الخجل منها.
والدعوات التي تزعم الآن أنها تتوجه بالحديث عن أفكار وليس شخصيات، عند الحديث عن صالح هي دعوات انهزامية، بل تحتوي على مغالطة كبيرة، استدعتها الظروف والمتغيرات الراهنة، وليس نقاء فبراير وأهدافه في 2011م.
والواقع الجديد بالفعل يقتضي رص صفوف الجميع أمام الحوثي كمهدد، لكن ذلك لا يأتي بالانتكاسة، والترويج لمغالطات عن عهد قريب، والاستعانة بذات الأدوات التي كانت أصلا سببا أدى لثورة فبراير.