قال الناس لا، بشجاعة. ثاروا وقلبوا الدنيا عاليها سافلها وسقط السقف فوق رؤوسهم وعلى رأس نظام الحكم.
فعلوا تماما ما تفعله الثورات في التاريخ: تعيد توزيع الخراب على الجميع بما فيه نظام الحكم. الثورات ليست Kitchroman أو رواية النهاية السعيدة: تزوجها وفي ليلة الفرح وجد في غرفتها رسالة حب. غادر وتركها وذهب إلى الجنوب ليعمل حدادا. أما هي فوضعت الرسالة في جييها وراحت تبحث عنه إلى أن وجدته. شرحت له الرسالة، كانت من صديق عزيز وليس من حبيب. ارتاح قلب الزوج واحتضنها ثم عادا إلى قريتهما وقد غمرتهما السعادة وسكنهما الحب، كما تقول رواية "أنت عمري" للألمانية كورتس-مالر.
هذه النهايات نجدها فقط في روايات ال"كيتش".
هناك ثورة، لا بد وأن كل شيء سينهار. ربيع الشعوب الأوروبية 1848 اشتعل باريس إلى كييڤ، من روما إلى برلين، من ستوكهولم إلى أثينا. قتل في مظاهرات برلين أكثر من خمسمائة شاب، وفي روما آلاف، وفي براغ أكثر من ذلك. بعد ثلاثة أشهر كانت كل مدن أوروبا، باستثناء باريس، قد خسرت الثورة لصالح نظام الحكم. تلك حقيقة تاريخية سواء أحببتها أم لا. الربيع العربي حقيقة تاريخية، انتهى ذلك الربيع بانتصار النظام في منازلة استمرت عقدا من الزمان. نحن لم نخترع كلمة الثورة، الذين اخترعوها لغويا وتاريخيا يعرفون جيدا خصائصها، وفي مقدمة تلك الخصائص أنها تنهزم في العادة. وأنها، سواء انتصرت أو انهزمت، تترك خلفها خرابا.
تقوم الثورة عندما يفقد الناس الأمل في المستقبل، يبلغ الغضب أعاليه، ويكتشف أهل البلد أنه لم يعد لديهم من شيء ليخسروه سوى الخوف والأغلال. لذا فإن من يسأل عنها، عن الخراب الذي جلبته هو نظام الحكم وليس الناس. خرجتم كلكم في ذلك اليوم، غنيتم والتقطتم الصور، وحشرحت حناجركم وعيونكم. كنتم تعتقدون أنها عرس جماعي. كانت ثورة، أي لاڤا من غضب بلا قاع ولا برنامج. يلقي للخارج وحسب، لا قيادة ولا أبطال. لا أبطال للبراكين، فقط ضغط محبوس يقفز إلى الأعلى ويقع أينما اتفق.
في 11 فبراير قال الناس لا، وذلك ما جعلهم يشتحقون الاحترام. الاحترام الكامل لمن قال لا وغضب ودحرج الصخور وقلب عاليها سافلها لأن الدنيا ضاقت عليه واتسعت لسواه. ثم انهارت الجمهورية والشعب وجاء نظام قاتل من داخل التاريخ. حدث كل ذلك داخل أفق التوقعات. بدلا عن أن يصلح النظام المدونة السياسية راح يسلم أسلحة 90 لواء عسكريا لإرهابين سنة وشيعة من مختلف الدرجات، اختار النوع الإرهابي الذي يكن عداء جبارا للجمهورية. وهو يفعل ذلك كان يؤكد استحقاقه للثورة ضده، لا مسؤوليته ولا جدارته، وعنفه اللامحدود، ومرضه العضال بالسلطة. ولأن الثورة دواء بالبتر والحجارة والنار ضد مرض عضال فإن النتيجة ما نراه لا ما نسمعه.
كل عام وأنتم بخير
ولو عاد الزمان بشروطه آنذاك لعدتم