وصول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للعاصمة القطرية الدوحة يعد حدثا لافتا، خاصة بعد سنوات الأزمة الخليجية وما أعقبها من تداعيات، وتأثيرات على دول الخليج، وامتدت لتشمل اليمن.
الأزمة الخليجية نفسها بين قطر من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى كانت حماقة، ولم تكن الظروف تسمح بأن يندلع ذلك الخلاف، وتلك الدول الخليجية كانت تخوض معركة عسكرية مصيرية لها في اليمن، ويقتضي الظرف الاتحاد والعمل المشترك.
تلك الأزمة أثبتت كيف أن القضية العادلة تنتصر في نهاية المطاف، وكيف أن المال لا يجدي في تزييف الحقائق وطمسها، بل وأظهرت مستوى النزق في التعامل وإدارة الأزمة من قبل السعودية والإمارات وتعاملها مع قطر عقب اندلاع الأزمة بين البلدين، وجعلت من قطر ومن تصنفه عليها عدوا مبينا يستحق السجن والتنكيل، بل ووصل الأمر لسجن الداعية سلمان العودة، والتلويح بإعدامه لمجرد تغريدة تمنى فيها إصلاح ذات البين بين حكام الخليج.
فتحت يافطة قطر جرى كيل الاتهامات لعدة أطراف وشخصيات سياسية وإعلامية واجتماعية، وفُرز الناس وصنفوا وفقا لتلك للموقف من قطر، وباتت كلمة قطر مفردة شيطنة وإساءة، وجند لذلك الإعلام والذباب الإلكتروني، بل والفن، على مستوى دول الخليج، وعلى مستوى دول أخرى كمصر، ولايزال اليوتيوب مليء بذلك الردح الوافر من البذاءة والإساءة.
وعلى المستوى اليمني فقد جندت السعودية والإمارات طابورا من اليمنيين الذي تحولوا لمخبرين ومترصدين، وألحقوا الضر والضرر بالكثير من الشخصيات، بل ومارسوا الكذب والتضليل الإعلامي في كل اتجاه، وأطلقوا لألسنتهم العنان للنيل من الآخرين بحق وبدون حق، بل وطال الإقصاء والإزاحة شخصيات دبلوماسية وعسكرية وسياسية من مناصبها لمجرد أنهم عارضوا طريقة تعامل السعودية والإمارات في اليمن، بحجة أنهم يتبعون قطر.
لذلك أثرت تلك الأزمة بشكل كبير في اليمن، وكان لها انعكاس مؤثر على صيرورة الأحداث وتطوراتها، وكان اليمنيون هم الخاسر الوحيد من تلك التداعيات، فقد تغير مسار المعركة، وجرى تشويه الكثير من القيادات العسكرية، واتهامها بالخيانة والعمالة، وباتت قطر وما عُرف حينها بتنظيم الحمدين تهمة حقيقية للنيل من عدة أطراف وقيادات وجماعات، ومادة دسمة على المستوى الإعلامي، بل وصنفت جمعيات خيرية يمنية في قائمة الإرهاب من قبل السعودية والإمارات لمجرد أنها تتلقى تمويلا لمشاريعها من جمعيات قطرية، ناهيك عن التحشيد العسكري المسلح الذي جرى تنفيذه في أكثر من محافظة تحت يافطة قطر، وكذلك تقديم قطر كمتآمر على اليمن، وساعية للسيطرة عليها.
الفارق الواضح بين تعامل قطر والسعودية في تلك الأزمة، هي انطلاق الأولى من واقع قائم في سياق حربها الإعلامية، وتسخير ذلك الواقع بما يخدمها، فيما انطلقت الثانية من فصول عديدة تنطوي على الكيد والمبالغة والخروج على الأعراف، وإلحاق الأذى والضرر.
وفجأة تلاشى كل هذا، وعاد الفرقاء من جديد للحوار وتبادل الزيارات، وكأن شيء لم يكن، ومع هذه العودة بالتأكيد سيتخلص الخليجيون أولا واليمنيون ثانيا من شوائب عديدة، وقوائم طويلة من التهم واليافطات، بل وسيخسر قطاع كبير كان يقتات على مثل هذا الخلاف لسنوات، ويتمنى عدم توقفه.
وفي المحصلة أصحت تلك الأزمة ببدايتها وانتهائها درسا يجب أن يستوعب مستقبلا بشكل كبير من الخليجيين أنفسهم، ومنا كيمنيين بشكل خاص، فكل الغاية والأماني أن نجد خليجا موحدا ومتحدا متصالحا مع نفسه، وأن ينعكس هذا بشكل إيجابي علينا كيمنيين خاصة في ظل الظروف الراهنة من تاريخ اليمن، وحالة الحرب والتشظي التي نعيشها.