منذ نجاح ثورة 26 سبتمبر 1962م في صنعاء رفع الثوار في عدن المواجهين للاستعمار البريطاني شعار الثورة السبتمبرية كواجهة للنضال والكفاح، وباتت ثورة سبتمبر محل إلهام ثوري فتح الأمل وعزز الروح الوطنية، الأمر الذي قاد لثورة الرابع عشر من أكتوبر، وأصبح هناك ثورتين ساميتين جمعت الثوار والمناضلين ضد الاستعمار.
وكل أدبيات النضال الوطني في جنوب اليمن بدء من جبهة التحرير حتى الجبهة القومية وانتهاء بالحزب الاشتراكي، وباقي الأحزاب ظلت ثورة سبتمبر واحدة من أهم الأدبيات التي رفعتها تلك الكيانات والأحزاب، بل إن كل طرف آنذاك كان يفخر بتعبيره عن الولاء والتأييد لثورة سبتمبر، والخزي كان يلحق أي طرف لا يعبر عن اعتزازه وتأييده لهذه الثورة، بل كانت بعض الأحزاب تتهم بالخيانة إن لم تعلن موقفها الواضح لثورة سبتمبر في صنعاء.
ظلت الثورتان رديفات لبعض، فمثلما ألهمت سبتمبر الثوار في الجنوب وأعطتهم الحماس لطرد المستعمر، ألهم يوم الاستقلال 30 نوفمبر 1967م في الجنوب الثوار في الشمال لمواجهة فلول الإمامة والانتصار للثورة السبتمبرية.
اليوم نتساءل أين هي مظاهر الاحتفال والاحتفاء بثورة سبتمبر داخل المدن الجنوبية؟ هل جمود تفاعلها تجاه ثورة الـ 26 من سبتمبر تخادم مع القوى الظلامية المفزوعة من الثورة، أم حسابات خاصة خاطئة، أم إرضاء لقوى إقليمية لا تزال ترى بالثورة مفردة حساسة، وفعل مفزع؟
مدن محدودة احتفلت بهذه الثورة، لعل أبرزها محافظة سقطرى، بينما عدن التي كانت محطة لانطلاق ثوار سبتمبر، مثلما كانت صنعاء محطة لثوار أكتوبر لم تحتف اليوم، وأغمض المجلس الانتقالي الذي يحكم المحافظة عينه عن هذه المناسبة، وأدار لها ظهره، تماما مثل فعلت جماعة الحوثي في صنعاء.
حتى الكيانات السياسية والحزبية في المدن الجنوبية لم تظهر الاحتفاء المفترض بهذه المناسبة، وهذا أشد وأخطر تطورات الأوضاع، إذ يبدو الوضع كما لو أننا نعيش فعليا شطرين وليس بلدا واحدا، وذلك ما يريده خصوم اليمن لهذا البلد، ووكلائهم المحليون، شمالا وجنوبا، إقليميا أو دوليا.
إن أسوأ ما يمكن أن يلحق بنا كيمنيين اليوم هو تصفير كل المنجزات التي تحققت خلال العقود الماضية، وينسف التضحيات الجسام والمكتسبات الوطنية التي قدمتها أجيال وكوكبة من المناضلين في شتى المجالات، وشهداء سقطوا على امتداد الأرض اليمنية.
ولعل النظر لأهداف الثورة السبتمبرية الستة اليوم يؤكد مدى الوضع الذي آلت إليه الثورة اليمنية، وكيف جرى تصفيرها، والالتفاف عليها، ونسفها كقيمة وطنية، في مسيرة الوطن، ووجدان الشعب، إذ يبدو الواقع اليوم وكأن شيئا لم يتحقق من تلك الأهداف، بل وكأن البلد بحاجة ماسة لتحقيقها من جديد.
هذا التصفير المتعمد يرهق كاهل اليمنيين، ويضاعف خسارتهم اليوم وفي المستقبل، ويريح فقط خصوم اليمن، وتلك الطامة الكبرى، إذ أن جيل كامل نشأ في العقد الأخير في خضم صراع مستمر، وحرب توصف بالمنسية، ولم يتسن له حتى معرفة تاريخ هذا البلد، وتضحيات آبائه السابقين، بل يجري إرضاعه ثقافة دخيلة، ستصبح يوما ما قنابل موقوتة تفجر دورة الصراع الدموي ذو الطابع الطائفي والمناطقي من جديد.
لقد أعادت ثورة الـ 26 من سبتمبر فرز المجتمع اليمني من جديد، بين مؤمن وموال لهذه الثورة وقيمها وأهدافها، وبين مبغض لها، متعلق بالمشاريع الطارئة، أو الغارقة في الماضي، وهذا الفرز اليوم ينبغي أن يكون مقدمة لوضع الثورة السبتمبرية كإطار جامع لليمنيين، ليستعيدوا من خلالها بلدهم الجريح، وثورتهم المسلوبة، ومنجزهم الثوري الرفيع قبل أن يفوت الأوان.