يواجه اليمن مِحنة عسيرة، وكارثة إنسانية هي الأسوأ على مستوى العالم.
وبينما تدخل الحرب عامها السابع دون أي بشائر تلوح في الأفق بنهاية وشيكة لها، تبدو السعودية أحد التجليات السيِّئة لهذه المرحلة.
بين حين وآخر، تقود سياسات موازية للحرب، التي تشنها بشكل مباشر، وهي سياسات تشبه "صبّ الزيت على النار"، سواء عبر الهجمات الجويّة المزعومة بأنها "خاطئة"، أو من خلال دعم الجماعات المسلّحة وتطبيق قرارات جائرة على المغتربين اليمنيين.
آخر هذه الكوارث، قرارها غير المُعلن بتصفية أو اجتثاث اليمنيين العاملين في مُدن جنوب المملكة، وهي مُدن يمنية أصيلة، احتلتها السعودية في ثلاثينيات القرن الماضي.
قرار التصفية لا يشمل العمالة غير الماهرة، كما يدّعي البعض، بل يشمل العاملين الصحيين والفنيين وكذلك الأكاديميين.
ما يقارب المليون عامل مهددون بالترحيل من هذه المناطق، كمرحلة أولى، وهو رقم مُرعب وكارثي على حياة هؤلاء وأسرهم.
يبدو الوضع أشبه بما جرى عام 1990، عندما رحّلت السعودية نحو مليوني مغترب يمني على خلفية موقف نظام علي عبدالله صالح من غزو صدام حسين الكويت. استهدفت تلك الإجراءات الشعب اليمني بدلاً من معاقبة نظام صالح.
لكن كان لتلك الإجراءات حينها ما يبررها من جهة سياسية إلى حدٍ ما، خاصة مع الاندفاع الشعبي الجامح والمؤيّد للغزو.
كما بدا صالح آنذاك منتشياً بخطابات التحدِّي والمواجهة، والتأكيد أيضاً على قُدرة نظامه على امتصاص تأثيرات القرار.
الوضع مختلف الآن، حيث تقتسم السعودية والإمارات قرار الحرب التوسعية المفروضة على اليمن منذ سبع سنوات، وهي في حقيقتها ذات أهداف وأطماع احتلالية لأهم الجزر والمواقع الحيوية.
النتائج مُريعة: قتل وتدمير البنى التحتية، ومنع البلد من تصدير ثرواته النفطية، وتكبيله بجماعات مسلّحة لا تؤمن بالدولة، أو تواجد الحكومة في العاصمة المؤقتة (عدن).
في هذه الأثناء، يأتي القرار السعودي على ما تبقّى من رئة يتنفّس بها جزء مُهم من البلد، في ظل هذه الحرب التدميرية.
القرار في هذا التوقيت.. ماذا يعني؟ وما هي الرسائل منه؟ رغم أنه لم تعدْ في سياسة السعودية الخارجية مفاجآت خلال السنوات الأخيرة.
لقد حوّلت هذه السياسة الرياض بشكل جلي إلى وكْر مؤامرات لهندسة المنطقة على إيقاع التخريب ووأد مشروع التغيير والتحرر. لكنّها، في الواقع، أيضاً أحاطت نفسها بطوق عدائي شرير لا يحمل خيراً أو جميلاً لها.
هي سياسة تجيد صناعة الخصوم والأعداء، وما القرار الأخير بشأن المغتربين اليمنيين إلا أحد تجليات هذا السياسة الغبية.
تتباين التفسيرات بشأنه، إذ يرجعه محللون إلى المخاوف الأمنية، خاصة مع استهداف مليشيا الحوثي المتكرر هذه المُدن بالصواريخ الباليستية، ومحاولات أفرادها اقتحامها.
غير أن ذلك يبدو منطقا ضعيفا جدا، فضلا عن كونه يحمل رؤية عدائية أخرى متأصلة تجاه اليمنيين.
توجد طائفة شيعية في هذه المناطق، ومثلها أو أشد في الجهة الشرقية من المملكة، وقد جرت بينها وبين الأسرة الحاكمة مساجلات ومصادمات عنيفة كثيرة.
إلى ذلك، تعد رخاوة الحرب وعدم الحسم العسكري في اليمن قرارا سعوديا بامتياز.
البعض برر، أيضاً، قرار السعودية بخطة بن سلمان الطموحة لاستيعاب العنصر البشري المحلي مكان الأجنبي.
لكن في كل الأحوال، لا تفسير آخر غير الرؤية العنصرية الطافحة حيال العامل اليمني، وهو إجراء يخالف قانون العمل السعودي والدولي.
ندرك أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لا يكترث كثيرا لمثل هذه المواثيق، وقد لطّخ سمعته بما هو أكبر ويديه بدماء يمنية غزيرة، لكن يوم الحساب سيأتي عاجلاً أم آجلاً. طوق النجاة ليس في يد واشنطن دائماً وأبداً.
في وجه الكارثة المحتملة، يتساءل آخرون. أين سيذهب هؤلاء المرحَّلون إن عادوا إلى اليمن فعلاً؟ بالتأكيد تبدو وِجهة غالبيتهم واضحة، حيث تعاني جبهات الحوثي من استنزاف كبير ونقصً حادٍ في المقاتلين.
مليشيا الحوثي تقاتل بأقلّ تكلفة، جعلت منها أجندة السعودية رقماً صعباً في شمال اليمن.
من كان يصدّق، قبل سبع سنوات، أنها ستهدد المملكة بدفق هائل من الصواريخ الباليستية، والطائرات الهجومية المسيّرة، كما تفعل الآن.