قبل عشر سنوات ومثل هذه الأيام التي نعيشها الآن في مطلع العقد الأول من الألفية الثالثة، كان الشارع العربي يختط مرحلة زمنية جديدة، ويمضي نحو عصر آخر.
ديباجة إبتدأها المحتجون بشعارات السلام، إيماناً بنبوءة البوعزيزي، ومحاكاةً لإحتجاجات تحمل شعار "ثورة الياسمين".
قبل عشر سنوات من الآن تحركت عجلة التغيير غير آبهةٍ للتحديات الجسام، ولا لحنق أباطرة النفط، وبإمتدادٍ إمبراطوري قديم كان الوطن العربي يتداعى من أقصاه إلى أقصاه إزاء مرحلة زمنية من عمره فقد فيها خاصيته، وبات حكام أقطاره يتنازلون عن كل شيئ لأمراء العالم الجديد.
ثورة الخبز، وثورة الرأي، وثورة الكرامة، وثورة الحرية، ما كان لعملاقٍ أن يقف أمامها وأمام عجلة الزمان، ولا لسلطانٍ أن يختار الطريقة التي يتنحى بها عن سدة الحكم ، ولا حتى الثوار أنفسهم كانوا يملكون قرار عودتهم إلى منازلهم، كانت العجلة تمضي وتدهس الجميع حكاماً ومحكومين.
شهد الوطني العربي فورات عنف واسعة، كانت نتاج إحتقانٍ شعبي كبير، ونتيجة أنظمة ما بعد الإستعمار وأجهزتها البوليسية، ثورة تنبأ بها أحمد مطر، وتطلع لها درويش، وأشعلها بعد عناء البوعزيزي الذي ما إن وضع النار على جسده حتى احترقت الخارطة العربية من شمال شرق الوطن العربي في العراق إلى السودان في جنوب غربه.
وخلال عشر سنواتٍ مضت لم تعيش المنطقة يوماً بارداً، إذا أصبحت جلها في صفيحٍ ساخن عدى الخليج الذي ظل يسكب بتروله فوق نيران معارك جيرانه لتزداد ضراوتها، دون أن يفكر بأن ألسنة اللهب تمتد، وأن النار ما تنفكُ تتوسع وتقول هل من مزيد.
إن الشعوب لا تتراجع عن كلمتها الفصل إزاء من جرعوها صنوف القهر، فكيف لها أن تمحو من ذاكرتها شعارات الربيع بعد أن ذاقت اليوم مرارة ما كان يخفي لها خصومه، وما دام الثائر هو الحارسُ الأمين للحق، وهو الشجاعُ الذي يقول كلمته ويمضي حتى إلى مشانق العسكر فلا خوف على بلاد تكتظ بالثوار.
صنعاء، ودمشق، وطرابلس، والقاهرة، وبغداد، وكل بلاد تخضبت بدموية العسكر ستلد من جديد، كل مدينةٍ عربية حُبلى بثائر، وكل صحراء موعودة بزمزم من خلفه هاجر تسعى بين صفاء الشعب ومروة المسحوقين ظلماً، حتى يأتيها الفرج، وتقول لأنهار الدماء " زُم زُم".
ما أجمل الربيع الذي قفز على طموحات الثُلة الفاسدة، وخطى بقدميه على رقاب الفوقية المقيته، وضرب عرض الحائط أوهام المسكونين بأحقية القبض على أعناق المواطنين تحت شعارات اليسار أو اليمين، الحرية أو الإستبداد، الشيوعية أو الإسلام.
لا يشبه الموت والحقيقة التي يمثلها لدى كل من يطمح بالخلود سوى الربيع الذي فاجئ مريدي السلطة الموهومين بالأبدية، فليبعث من جديد من تحت أنقاض البترول المزيف، ولتخرج جماهيره من جديد لتكنس فلول الإستبداد، فالثورات لا تموت.