يصبح المشهد اليوم في اليمن أكثر تعقيدا بالنسبة للقوى التي تؤمن بالشرعية أو تدعي إيمانها بها.
هذا المشهد هو من صنيعة تحالف السعودية والإمارات، وهوان الحكومة الشرعية، وتماهي الشخصيات والنخب اليمنية مع الأجندة الخارجية، وتحول البلد لساحة مفتوحة للصراع.
كانت المبادرة الخليجية تمثل الأرضية التي جرت بموجبها التسوية السياسية في اليمن في العام 2011م، وتسببت بتجميد العمل بالدستور ومعظم القوانين، والأحزاب الموقعة عليها تدرك هذا الأمر، وكان طرفها المؤتمر وشركائه والمشترك وحلفائه.
ثم في العام 2013م صارت مخرجات مؤتمر الحوار الوطني هي المستند الثاني لإدارة الدولة، وكل الأطراف اليمنية شاركت فيه، ووقعت على وثيقته الختامية، ثم جاء انقلاب الحوثيين ليجهض الآمال بتحقيق تلك الوثيقة فعليا.
ومع اندلاع الحرب في اليمن نهاية مارس 2015م، أضيف القرار الأممي 2216 ليصبح مرجعية أممية في اليمن، بين طرفين هم الشرعية والانقلابيين ممثلين بصالح والحوثيين، واستفاد تحالف السعودية والإمارات من ذلك القرار كثيرا في حربه داخل اليمن.
وظلت هذه المراجع الثلاث تحكم العلاقة بين مختلف الأطراف، سواء قبل بعضها أم رفضها الطرف الآخر، وبالتزامن استمرت الحرب، وتضاعفت تداعياتها على البلد.
في العام 2019م جرى تقديم مرجعية أخرى أطلق عليها باتفاق الرياض، رغم أنها محصورة بين الأطراف المؤيدة لتحالف السعودية والإمارات، ممثلين بالشرعية والمجلس الانتقالي.
لكن اتفاق الرياض بدأ تدريجيا يحل محل كل المرجعيات الثلاث السابقة، وهي خطوة خطيرة ستنسف الوضع برمته، خاصة الحكومة الشرعية، التي تستمد مشروعيتها من تلك المرجعيات الثلاث.
هذا الإحلال لاتفاق الرياض بدلا عن تلك المرجيعات يظهر من مطالبة الانتقالي والمؤتمر جناح الإمارات وأحزاب الناصري والاشتراكي باعتبار قرارات هادي مخالفة لاتفاق الرياض، متناسين بقية المرجعيات السابقة التي تعد هي الأساس، رغم ما جلبته لليمن واليمنيين من نكسات وخسارة.
إن اعتبار اتفاق الرياض هو المرجعية لسلوك وقرارات الحكومة الشرعية، والضابط الرئيسي لايقاعها، أمرا بالغ الخطورة، فهو يقفز على المرجعيات الرئيسية، ويخلق أزمات جديدة، وينسف في المقام الأول المشروعية التي تدخل بها تحالف السعودية والإمارات في اليمن، ويحرف التحالف عن مساره الافتراضي، بل ويقزم القضية اليمنية نفسها، ويجعلها رهن دولة معينة بدلا من كونها قضية كانت من صلب إهتمام المجتمع الدولي والأمم المتحدة.
الان وضع البلد صار أكثر اضطرابا وتمزقا وتشرذما، ويحتاج لعملية تصفير شاملة لكل تلك المرجعيات، لاحتواء كل هذا اللغط، وهي عملية خطيرة ستنتج واقعا جديدا، وستسهم أيضا في عملية الانقسام، وتستلتزم تدخل أممي ودولي.
ما يجري اليوم هو الإيغال في تعقيد الوضع في اليمن، وكان سببه من جاء زاعما إنقاذه، لكنه كان مفتقدا للرؤية، ولمكمن الداء والعلة، ففشل في إيجاد المخرج المناسب، وأوصل اليمن واليمنيين إلى هذا الحال، بل وتاه في دروب أخرى، ليصبح مصدرا لتناسل التعقيدات، بدلا عن مساهمته في وضع الحلول.
اليوم وبعد ست سنوات من الحرب وتدخل التحالف في اليمن، يعيش اليمنيون أزمات وتعقيدات مغايرة تماما للدواعي التي جاءت حرب التحالف لوقفها، فلا شرعية انتصرت، ولا التحالف أفلح، ولا المعركة مع الحوثيين حُسمت، وباتت القضية اليمنية انعكاسا واضحا لسلوك وهيمنة من يتحكم بها.