قال الحارث بن حوط لعلي بن أبي طالب (رضي الله عنه) بعد وقعة الجمل:
أتظن يا أمير المؤمنين أن طلحة والزبير كانا على ضلال وهما من العشرة المبشرين بالجنة؟
رد عليه علي قائلا: "الحق لا يعرف بالرجال وإنما يعرف الرجال بالحق!".
هذه قولة حق! لكنها هنا في هذا الموطن مقولة مريبة تنسف الحق كله. فطلحة والزبير (رضي الله عنهما) ممن بشرهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالجنة، وهو أمر لا جدال فيه أنه حق، أيعقل أن ينسفه ابن أبي طالب بمقولته تلك؟؟؟!
يزعم الشيعة أن أبابكر وعمر انتزعا الخلافة من يد علي بن أبي طالب يوم السقيفة (رضي الله عنهم أجمعين)، رغم أن عليا بزعمهم خليفة المسلمين وإمامهم باصطفاء إلهي، وبوصية نبوية أيضا، لكن المسلمين خالفوا أوامر رب العالمين، وضربوا بوصية النبي (ص) عرض الحائط، وهذا معناه الشرعي أن الأمة كفرت بعد رسول الله (ص) حسب زعمهم: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخِيَرةُ من أمرهم ومن يعصي الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا". هذا الجانب الأول من زعمهم، وهو باطل قولا وفعلا وطبيعة كما نعرف.
أما الجانب الآخر فيبطله أن أبابكر وعمر ناقشا الأنصار في أحقيتهم - الأنصار - للخلافة بدلا منهم، وذلك بعد أن كانوا قد نصبوا سيد الأنصار سعدا بن عبادة خليفة للمسلمين في سقيفة بني ساعدة، وليس علياً حتى يقال أنهما سلبا الخلافة منه.
ثم أن الخلافة قد عادت إلى إبن أبي طالب بعد استشهاد الخليفة الثالث عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، فماذا فعل بها؟؟؟
كيف كان عهد خلافته مقارنة بمن سبقوه من الخلفاء الراشدين؟
لم تكن لخلافته (رضي الله عنه) أي رشادة! بل كانت كلها حروب واقتتال وفتن، ذهب ضحيتها ما يقارب المائة ألف مسلم.
فلو ناقشنا الأمر بالعقل والمنطق البشري، وفندنا ادعاء الشيعة أن عليا خليفة مصطفاة من الله:
فهل يعقل أن يغيب عنه الرشاد خلال فترة حكمه، وهو يرى انقسام كبار الصحابة وخروجهم عليه، فيتوجه مع ذلك لمحاربتهم وقتلهم؟
وهل يعقل أن يصطفيه الله للخلافة ولا يؤيده بعلامات النصر والظفر كما فعل مع طالوت حين اختاره الله ملكا لبني إسرائيل رغم وجود نبيهم بينهم "وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا، قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعةً من المال، قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم"، "فهزموهم بإذن الله وقتل داوود جالوتَ وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء".
وهل يعقل أن يكون هو الوصي للخلافة بعد رسول الله (ص) وهو بهذا الضعف من الحنكة السياسية وتدبير شؤون الحكم، في وقت تحتاج فيه الأمة إلى قائد رباني محنك وفذ، مثل أبي بكر (رضي الله عنه) الذي صاحب الرسول (ص) وكان رفيقه وعضده الأيمن؟
وهل كان الصحابة سيخالفون أمر نبيهم لو أخبرهم أن علياًً هو خليفته من بعده، إذا سلمنا بأنه (ص) قال ذلك؟ فلا هو قال، ولا الصحابة خالفوا أمره.
فحين قال للرجل: يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال، فإنه بهذه المقولة المنسوبة إليه تفضح سلوكه: فهل طلحة والزبير كانا على غير الحق؟ أم أنه هو من كان كذلك؟ هنا لا نستطيع الحكم عليهم، غير أن الشاهد من القصة أن عليا عُدِمَ أو حُرِمَ معرفة الحق في خلافته، فالتبست عليه الأمور، وأضاع البوصلة، فلا الحق كان معه، ولا أنه كان ضده.. وكان من الأولى أن يعالج الأمور بالحكمة ودهاء السياسة وحنكة القيادة وفطنة العلم والرشاد.. لكنه لم يفعل.
ولقد كان ابنه الحسن أكثر حكمة وحنكة منه فأصلح الله به بين الفئتين المتقاتلتين، وحفظ بقية المسلمين وحقن دمائهم من الإراقة.