رحم الله شاعر الحكمة اليمانية عبدالله البردوني القائل
ماذا أحدث عن صنعاء يا أبتي
مليحة عاشقاها السل والجرب
(1)
وعندما نتحدث عن صنعاء العاصمة فإنها ترمز إلى اليمن، جغرافية اليمن كله، ونستدعي البردوني، ونقدم له الاعتذار لو أعدنا صياغة بيت الشعر الوارد أعلاه، دون الالتزام ببحور الشعر العربي، ونقول "ماذا أحدثك عن اليمن يا بني وسيم تنهشه شرور ثلاثة، الشر الأول الحوثية التي تريد العودة باليمن إلى عصر ما قبل التاريخ، والشر الثاني الانفصاليون في الجنوب، الذين يعملون على تمزيق اليمن إلى كيانات هزيلة يسهل العبث بها وتحطيم كبريائها العربي، والشر الثالث التحالف الذي دمر اليمن ماديا ومعنويا وصحيا واجتماعيا وتعليميا".
ولا يغضب علينا قادة التحالف إن ذكرنا "الشر" فيما يفعلون في اليمن، فاللغة العربية تعتبر الحرب شرا، ومن هنا نتفق على أن ما يجري في اليمن اليوم من حروب كلها شرور، إلا الحرب دفاعا عن النفس والحرب لردع البغاة المعتدين.
(2)
في الأيام الأخيرة ظهر علينا جوقة من الكتاب اليمنيين، البعض نعرفه والبعض الآخر مجهول الهوية والتاريخ على الأقل عندي، "منصري وصفواني ومقطري،... وغيرهم، راحوا - في تقديري - بلا موعد بينهم يتناولون "حزب التجمع اليمني للإصلاح" وكأنه معضلة اليمن الكبرى، وليست المعضلة ترتكز على الأعمدة الشريرة الثلاثة "التحالف والحوثية والانفصاليين".
التجمع اليمني للإصلاح حزب سياسي يمني مدني معترف به، أحد أبرز قادته الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر - رحمه الله - شيخ مشايخ حاشد، وهو أقرب شخصية يمنية لقلب النظام السياسي القائم في الرياض منذ عام 1962م، وإلى جانبه أحد أبرز فقهاء اليمن الشيخ عبدالمجيد الزنداني، الذي كان نصير السعوديين في حرب أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي وضد الشيوعية، ورموز يمنية أخرى أذكر منهم ياسين عبد العزيز القباطي ومحمد اليدومي وعبدالوهاب الأنسي لم يكونوا في عداء أو تحفظ على السياسة السعودية، إنهم كانوا أقرب إلى تقديم النصح للرياض فيما يتعلق باليمن وأهله، لم يكونوا في عداء ولا مواجهة مع السعودية، فلماذا السعودية "الجديدة" تعادي أو تستعدي أو تتجاهل هذا الكيان السياسي اليمني العريق؟!.
ثمانية وعشرون عاما من نضال التجمع اليمني للإصلاح، لم يمسوا النظام الملكي السعودي بسوء، لم يشهروا سلاحا في وجه السعودية كما يفعل الحوثية أو الحزب الاشتراكي في جنوب اليمن قبل الوحدة، لم يسلطوا عليهم إعلاميين للتشهير بالسعودية شعبا وحكومة، لم يتآمروا على السعودية، لم، ولم، ولم، ولن يقدم حزب التجمع اليمني للإصلاح على معاداة السعودية، إنهم الكفة المرجحة لصالح السعودية في مواجهات التحالفات الطائفية العفنة التي تنخر مجتمعنا العربي اليوم، سبحان الله بين عشية وضحاها انقلبت الموازين في الرياض.
(3)
لا جدال بأن شر التحالف في اليمن أصبح مستطيرا، المرض والفقر والجوع دخلت كل بيت في اليمن، والحرب الجوية ضد الشعب اليمني لم تعد مجدية، والجهل انتشر لأن المدارس هدمت، وأصبح تجنيد الأطفال في حرب اليمن ضرورة من أجل الارتزاق، وهو ما تحرمه قواعد الإسلام، ناهيك عن قواعد القانون الدولي، والأمراض بكل أنواعها تنهش الشعب اليمني، فلا مستشفيات ولا دواء ولا أطباء، ولا من يأخذ بناصية هذا الشعب العريق الذي يفتكون به من أجل مصالح ذاتية لبعض اليمنيين ومصالح أخرى لدول الجوار.
دول التحالف التي حباها الله بالمال الوفير تبذره لإضعاف أمة من الخليج إلى جنوب الجزيرة العربية، مرورا بالسودان والقرن الأفريقي، وصولا إلى ليبيا وتونس وحتى موريتانيا والحبل على الجرار، لو أنفقت هذه المليارات على إسعاد الشعب اليمني بدلا من تدميره لأصبح اليمن رصيدا إستراتيجيا لأهل الخليج عامة والسعودية خاصة، ففي اليمن الموارد الطبيعية والقوى العاملة والجند الشجاع والصدق والأمانة والإخلاص، لكن مع الأسف غابت عن الرياض الحكمة وعمق البصيرة وانجروا إلى حرب أصبحت غير مجدية.
اليوم وبعد خمسة أعوام عجاف واليمن يعيش في حرب شرسة تحت شعار استرداد الشرعية، تقول التسريبات الصادرة من عواصم التحالف إن هناك جهودا تبذل من أطراف متعددة، وخاصة دول التحالف لإزاحة الرئيس عبد ربه منصور هادي عن منصبه، واستبداله بشخصية أخرى بهدف رسم خارطة اليمن المقسم والمجزأ لتنعم أبوظبي والرياض باليمن المفيد، وهذا الأمر إن تم فإنه سيكون وبالا على الحكم في الرياض على وجه التحديد، لقد تستر الرئيس عبد ربه على ما يفعلون باليمن، واليوم يعملون للاستغناء عنه والإتيان بشخص أكثر انصياعا لإرادة التحالف، ويمكننا القول اليوم "لقد قل الصدق وامتنع الوفاء عند أهلنا في الرياض "الجديدة".
(4)
أما شر الانفصاليين "المجلس الانتقالي" فهو أشد خطرا على اليمن، لأن قياداتهم فشلت في تحقيق تقدم في اليمن، عندما كانوا مهيمنين على مقدرات الشعب في الجنوب اليمني، عندما كانوا يحكمونه، أليس ما يسمى "المجلس الانتقالي" المدعوم من أبوظبي معظم قياداته من الحزب الاشتراكي الذي كان سيد الموقف في زمان مضى، ومن حق اليمنيين سؤالهم، ماذا قدمتم لليمن وأهله وأنتم تحكمون في الجنوب غير القتل والترويع وتأميم ممتلكات الناس؟ لقد أصبح معظم قيادات الجنوب الانتقالي اليوم رهينة الرشوة المالية من الرياض وأبوظبي، على حساب الوحدة اليمنية وقوة اليمن واستقلاله وسيادته على أراضيه.
أما إخواننا الأحزاب الناصرية في اليمن فقد أصبحوا يقتاتون على حساب سمعة جمال عبد الناصر - رحمه الله -، إني أرأف لحالهم، أصدروا بيانا بالاشتراك مع أحزاب الريال والدرهم والدولار يدين ما أسموه "التدخل التركي" في ليبيا والعراق، وليتهم غطوا على عورتهم السياسية بإدانة التدخل الإماراتي الفرنسي الروسي والمصري في الشأن الليبي، ليستقيم لهم الأمر، لكن المال أعمى بصائرهم، وما لنا إلا أن نقول "حسبنا الله ونعم الوكيل"، وفي الوقت ذاته إني أستغرب من تصرفات ومواقف رئيس مجلس النواب سلطان البركاني الذي أكن له كل احترام وتقدير، مما يجري في اليمن، العرف يقول إنه يمثل إرادة الشعب بصفته رئيس مجلس النواب (البرلمان)، لكنه صمت صمت القبور عما يجري في جنوب اليمن، وخاصة عدن وسقطرى وحضرموت والمهرة، وما تفعل زمرة الانفصاليين من جرائم في جنوب اليمن، وهو عضو قيادي في مؤتمر الشعب العام.
آخر القول: إن الذين يعملون على اجتثاث الإسلاميين في الوطن العربي سيفشلون، فقد سبقتهم لذلك أمم أشد منهم قوة وأكثر نفيرا وسلاحا ومالا وفشلوا في ذلك، فهل أنتم تعقلون؟!.
*نقلا عن صحيفة الشرق القطرية اليومية.