تتعرض الحائزة على جائزة نوبل، اليمنيةتوكل كرمان لواحدة من أقذر الحملات الموجهة التي تشنها أجهزة دولة في السعودية والإمارات.
المخزي في الأمر أن قسما من اليمنيين منخرطون في هذه الحملة، لاعتبارات هي خليط من البغض الحزبي النتن والحسد النسائي، والشغل ضمن فرق الذباب الممول! أما اتباع عفاش فيعتبرونها غريما شخصيا، كما لوكانت هي من فقش رأس زعيمهم وليس حليفه الطائفي عبدالملك الحوثي.
هذا الموقف منها يضعها في مقام المتهم الأول بالثورة وإسقاط سلطة صالح، وهو أمر يصادر حق شعب كامل كانت توكل أحد افراده الأفذاذ.
كما أن موقف هذا الصنف منها، يمثل صدى مباشر للعدو الأكبر : أبوظبي حيث تستريح أموال اليمنيين المنهوبة والعائلة. لكأن المرأة هي التي سلمت حرس الزنة الطائفي للحوثي وتحالفت معه أو أنها تورطت ببيع ميناء عدن وحقول النفط في حضرموت للإمارات! كأنها سلبت اليمنيين حياتهم 33 عاما، وسرقت فرصتهم لبناء دولة، ثم غدرت بهم وبجمهوريتهم وسلمتها لإيران!
تختلف أو تتفق مع توكل كرمان، فهي أمرأة مناضلة نبتت من أوجاع هذه الأرض وشاركت اليمنيين أحزانهم وأفراحهم منذ أشهرت نفسها في المجال العام ككاتبة وصحفية وناشطة حقوقية.
عندما ثار اليمنيون ضد النظام الذي أسس لكل هذا الخراب الذي نعيشه اليوم، كانت في مقدمة صفوفهم : حشدت وحفزت، والتقت بالموت وجها لوجه في الساحات، قبل أن تدخل التاريخ الى الأبد! رغم نشأتها المحافظة، كانت توكل تكتب مقالات ثورية التزمت بمضامينها في الأوقات العسيرة بينما كان كثيرون يكتبون مقالات غاضبة للإبتزاز، ثم ينتظرون بالقرب من الهاتف بانتظار دعوة الى القصر الرئاسي!
حين برزت كناشطة حقوقية، كانت تقوم بفعل ثوري كسر قوالب أندية وصالونات المجتمع المدني المخملي المقتصرة على البيانات والندوات والإدعاءات الثقافية لنخبة كانت تستخدم قضايا المجتع للحصول على التمويل.
كانت توكل أول من نقل التضامن الإجتماعي والوقوف ضد المظالم من البيانات الى الشارع.
خرجت مع المسحوقين بغطرسة المشيخ المسنود بسلطة الحاكم الفاسد لتخيم معهم في الميادين وأمام المؤسسات، فوقفت في وجه سلطتين معا: السلطة الإجتماعية والسياسية! كان ذلك ليؤلب عليها المحيطين المدني والسياسي، ويشعل غضب الحانقين، فقد رفعت سقف الإختبار الحقيقي للإدعاءات النخبوية وأسقطت الكثير منها أرضا.
لكن الصدمة الحقيقية لخصومها تمثلت بفوزها بأرفع وأشهر جائزة في عالمنا لتبدو بعد ذلك مناضلة شاهقة نحتت اسمها وبلدها في سجل ومقام دولي كبير يلهث الكثيرون للوصول اليه.
مثلما كان فوزها بالجائزة خبرا محزنا لصالح وعائلته وأتباعه وحلفائه الطائفيين وخصومها السياسيين، كان خبرا صاعقا بالنسبة لعواصم الثورة المضادة. يحدث الأمر مجددا مع صعود جديد لإسم توكل واختيارها ضمن فريق الإشراف على محتوى المنصة العالمية فيسبوك وانستغرام.
انتابت الرياض وابوظبي وازلامهما نوبات صرع.
يستنفر مسؤولون وكتاب وأجهزة إعلامية ضخمة وناشطون وجيوش ذباب في السعودية والامارات ويأخذون معهم في الطريق " الشواعة" في اليمن، للتنديد بالخطوة.
الى جانب توكل ثمة عشرين شخصا يمثلون مجتمعات متنوعة بينهم رئيسة الوزراء الدنماركية السابقة، زعيمة الحزب الإشتراكي الديمقراطي! توكل" ليست مستقلة وتدعو الى الكراهية" كما يزعمون في حيثيات الحملة فضلا عن سباب وشتائم وتعريض يدخل ضمن مهام فرق التسامح!
ثمة فاشية حزبية محلية لوتوفرت على سلطة لنصبت المشانق، وعقدة نقص يمنية مزمنة ومريضة، وازدراء خليجي لكل ما هو يمني مدفوعا بتفوق خزنات النقود.
كل هذه الأوبئة والأمراض يجري تفريغها في مواجهة مناضلة يمنية فعلت الكثير مما يجب أن نفخر به.
احتفلنا بيمنيين ويمنيات حققوا حضورا خارجيا وجوائز وتكريم، لاتساوي شيئا في مقام نوبل، مع ذلك فاخرنا بهم لأنهم يمثلون اليمن.
يعتقد البعض أن ميدان الجوائز والتكريم والحقوق هو ساحة حصرية للون معين من الأفكار والإنتماءات.
أفكار من ذلك النوع الذي لايرى سوى نفسه كتجسيد أول وأخير للحقيقة التي لم تتردد في تصفية خصومها عندما كانت حاكمة!
يؤكد هذا السلوك أن قيم الديمقراطية والقبول بالآخر ليست سوى مقولات للتهريج وأن الإقصاء والضيق بالمختلف، هو الثقافة الراسخة لكل اللافتات.
كنت أتمنى أن ينشغل اليمنيون بالموت الجماعي الذي يحصد المئات يوميا، وسط حالة دمار شامل وانهيار لكل شيئ، أن يلتقطوا ابتسامة عابرة وسط هذه المأساة وهم يشاهدون امرأة يمنية تسجل حضورا دوليا بغض النظر عن ايماننا من عدمه بجدوى هذا المجلس وأهميته الفعلية.
لكن دولا تردت الى عصابات لا تكف عن صناعة معاركها على أرضنا، وتحاول إطفاء أي محاولة يمنية للحياة، تجعل الدفاع عن توكل مهمة وطنية.
أتضامن مع توكل كرمان ككاتبة وكزميلة صحفية أولا تواجه تنمرا قذرا، واتضامن معها كيمنية تشرق دوما وسط عتمة كالحة بأخبار جيدة.
قبل ذلك كله أقف معها في مواجهة حملة ازدراء خليجي حقيرة ترى اليمني كائنا ثانويا وعلى الهامش.