لا دليل يصم الدور الإماراتي ضمن ما يسمى تحالف دعم الشرعية في اليمن بالانتهاكات وبارتكاب جرائم حرب؛ أكثر من ثبوت التهمة رسمياً بضلوع هاني بن بريك، الذراع اليمنى لولي عهد أبو ظبي، في واحدة من أشهر جرائم الاغتيالات في العاصمة المؤقتة، عدن، كما كشفت عن ذلك محاضر النيابة وتأكيدات أحد النواب العامين بأن الاتهامات ثابتة ضد بن بريك ولا يرقى إليها شك.
فقد طالت تلك الجريمة التي وقعت في كانون الثاني/ يناير 2016، أحد أبرز شيوخ السلفية في عدن، هو الشيخ سمحان الراوي، بكل ما يمثله الضحية من ثقل كبير وتأثير بالغ في مجتمع عدن؛ ضمن الحركة السلفية متعددة المرجعيات التي زرعتها السعودية في المحافظات الجنوبية من اليمن على وجه الخصوص، خلال العقود الثلاثة الماضية.
أكثر من 30 جريمة اغتيال طال معظمها دعاة وخطباء مساجد وقادة سياسيين، وضباطا من الشرطة والاستخبارات والقوات المسلحة، وكل من تثبت صلته الوثيقة بالدولة اليمنية والولاء لقيادتها، أو يعقتد أن الحرب ستنتهي بعودة الجميع تحت مظلة الجمهورية اليمنية الاتحادية الديمقراطية متعددة الأقاليم، وإن كان بين الضحايا أيضاً ضباط من تشكيلات أمنية تابعة لأبو ظبي؛ أملتها دواعي عدم الثقة بولائهم أو الرغبة في تصفية الأدلة، خصوصاً إذا كان المستهدف جزء من عمليات القتل والتصفيات التي حدثت تباعاً على مدى السنوات الأربع الماضية.
تشير تصريحات هاني بن بريك إلى استمراره في محاربة من يسميهم الخوارج؛ الذين يحصرهم في الإخوان والقاعدة وداعش، ما يعني أن شيوخه من رموز السلفية المغدور بهم يندرجون ضمن هذا التوصيف؛ لأنهم رفضوا أن يكونوا جزءا من المشروع الإماراتي
وجميع هذه الجرائم لا تخرج من حيث الدوافع والأدوات، عن السياق الذي جرى في إطاره تصفية الشيخ الراوي، حيث تشير تصريحات هاني بن بريك إلى استمراره في محاربة من يسميهم الخوارج؛ الذين يحصرهم في الإخوان والقاعدة وداعش، ما يعني أن شيوخه من رموز السلفية المغدور بهم يندرجون ضمن هذا التوصيف؛ لأنهم رفضوا أن يكونوا جزءا من المشروع الإماراتي الذي يقوم بن بريك بتسويغه، والإشراف على جرائم القتل التي ترتكب بحق أنبل أبناء عدن واليمن الرافضين لهذا المشروع.
حتى الآن لا تبدو أبو ظبي مكترثة للاتهامات الجدية التي تحاصرها وتحاصر مهمتها العسكرية في اليمن، في الوقت الذي تطلق فيه ادعاءات مشكوك بصحتها حتى الآن بشأن الانسحاب من البلاد.
ومرد ذلك ربما إلى ثقتها بأن العشرات من ضحاياها الذين سقطوا لا بواكي لهم، ولأنهم لا يوجدون في لائحة من يحرص الغرب على الانتصار لمظلمتهم، أو يستثمر ورقتهم في ترتيب مصالحه وفي امتلاك ذرائع لتطويع حكام أبو ظبي والرياض وغيرهم، والتحكم في خياراتهم ومقدراتهم.
في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي، تويتر، يضع هاني بن بريك، الذي تحول إلى أحد عتاة المشروع الانفصالي، من خلال موقعه نائباً لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، يضع صورة محمد بن زايد على البروفايل الخاص به، وهو سلوك يكشف عن حالة التماهي الكاملة بين الرجلين، وعن رغبته في الاستقواء بحاكم أبو ظبي والإمارات الفعلي؛ الذي سخّر إمكانيات بلاده لمحاربة الربيع العربي والإخوان المسلمين، موسعا نظرته لتشمل كل من له علاقة بالدين الإسلامي وبالتدين.
المرء لا يمتلك تفسيرا لهذا الحماس والتبعية المطلقة من جانب هاني بن بريك لنهج ابن زايد العلماني، وهو السلفي المتشدد الذي أصم آذان الناس طيلة السنوات الماضية بالدعوة إلى التمسك بنهج السلف الصالح
وإذا كان بوسع المرء أن يفسر دوافع ابن زايد وتشدده، وهو المحكوم بعقدة فقدان السلطة المطلقة في الإمارات، والمتوجس من صحوة سياسية في بلاده تهدد هذه السلطة، فإن المرء بالمقابل لا يمتلك تفسيرا لهذا الحماس والتبعية المطلقة من جانب هاني بن بريك لنهج ابن زايد العلماني، وهو السلفي المتشدد الذي أصم آذان الناس طيلة السنوات الماضية بالدعوة إلى التمسك بنهج السلف الصالح، وتشجيعهم على تبني موقف سلبي من كل ما له علاقة بالعصر.
لقد تشكل الوعي الديني والعام لمن بات اليوم على رأس قائمة المتهمين بالضلوع في جرائم ضد الإنسانية لحساب الإمارات، في أكثر المحاضن السلفية تشددا، والتي كانت تعمل تحت الرعاية المباشرة للمخابرات السعودية، لإعداد دعاة يتبنون مواقف عدائية من العادات الاجتماعية السائدة، ومن كل مظاهر العصر؛ من تحريم الصورة الفوتوجرافية والبنطال، وانتهاء بتحريم الانتخابات، مقابل الإذعان الكامل للحاكم، سواء بلغ الحكم بسلام أم بلغه متغلبا وعبر أنهر من الدماء.
جاءت هذا الخطوة في إطار المواجهة الوجودية التي تخوضها سلطة الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي يواجه خيار التجريف لنفوذه ونفوذ رجاله في الجنوب الذي ينحدر منه
لقد أحرزت الحكومة هدفاً قوياً في مرمى خصومها الانفصاليين وداعميهم الإماراتيين، من خلال خطوة الإفراج عن محاضر التحقيق وجمع الاستدلالات بشأن جريمة قتل الشيخ الرواي. وربما جاءت هذا الخطوة في إطار المواجهة الوجودية التي تخوضها سلطة الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي يواجه خيار التجريف لنفوذه ونفوذ رجاله في الجنوب الذي ينحدر منه.
لكن يتعين على الحكومة أن تتعاطى مع هذه القضية من منطلق المسؤولية الدستورية والأخلاقية، بما يؤدي إلى كشف ملابسات الجرائم المتبقية التي هزت عدن وأخرجتها من سياقها المدني المسالم، وعطلت دورها كعاصمة مؤقتة.
ولكي نختبر نوايا السلطة الشرعية، فإننا ننتظر أن تتحول هذه القضايا إلى ملف ذي أولوية في أروقة مجلس حقوق الإنسان، ليتم تثبيت عمليات القتل السياسي هذه، باعتبارها جرائم حرب وانتهاكات ضد الإنسانية، من شأنها على الأقل أن تلجم أبو ظبي عن مواصلة الإساءة إلى اليمن وترتيب مستقبل مفخخ بالصراعات لهذا البلد، عبر إحياء مشاريع هدم الدولة والنزعات الجهوية، وتوتير المجتمع، وجعل السلام بعيداً عن متناول اليمنيين.
* نقلا عن عربي 21