لو أن لي سلطة.. لحفرت أخدودًا وجمعت فيه غالبية رجال العالم ثم أشعلت فيه النار وأحرقتهم جميعـًا..!
قد تعتقدون أني متوحشة ولديّ نزعة عدوانية تجاه الرجل، الأمر ليس كذلك، فلطالما أحببت رجال العالم كما أحببت نساءه، ولطالما تمنيت عالمًا منسجمًا، يعيش في الرجال جوار النساء بسلام، عالمًا لا يتسلط فيه جنس على أخر، لا يستبد فيه الرجل ولا تشكو فيه المرأة من الظلم؛ لكن حلمي هذا يصطدم كل مرة بوحشية الرجل، وأجدني مضطرة للبحث عن طرق أخرى؛ لتحقيق العدالة الضائعة، وإن ما يبدو قسوة هو ردة فعل على غبن طويل، تعبنا في محاولة تسويته.
إن كثير من الرجال كائنات زائفة ومعجونة بالنفاق. يدّعون أمام العالم مناصرتهم للمرأة، يقولون ذلك على مستوى الكلام، ويتغنون به وفي الواقع يمارسون تسلطهم بأبشع صورة ممكنة، يتسلط الشاب على أخته، ويحاصر الأب ابنته ويحتقر الصديق صديقته ويقيد الرجل زوجته وربما يذبحها كما لو كانت نعجة، يفعل كل ذلك وأكثر بسهولة، وتمر الجريمة بكل بشاعتها بهدوء، يتناقل الناس الخبر ليوم ويومين، ثم ينتهي كل شيء وينسون جذور المشكلة..!
لم يتوقف أحد ليسأل ما هذا الجنون الذي تتعرض له المرأة..؟ لماذا يحدث هذا، لماذا هي حياة المرأة رهينة بيد الرجل، ويستطيع العبث بها كيفما يشاء..؟
هل كان سيحدث مثل هذا لو أن المرأة تملك خيارات تحرك أكبر وليست حياتها كلها محشورة في رجل..؟
ما حدث بالأمس وما يحدث اليوم وما سيحدث غدًا من ظلم وقتل وتهميش للمراة هو امتداد طبيعي لعقود من الثقافة العنصرية التي ترسخت ضدها في مجتمع ذكوري مغلق على الرجل، هو الآمر والناهي فيه والقاضي المتحكم بكل شيء.
نحن إزاء منظومة ثقافية أقل ما يقال عنها أنها: حقيرة، ثقافة تنظر للفتاة على انها نصف انسان، كائن منقوص الإرادة، رهينة مستلبة، ليس لها الحق بشيء إن لم يتفضل عليها الذكر، هو من يرسم لها خطوط حركتها، بدءً بأبسط تفاصيل حياتها، بخروجها بدخولها، بسفرها ببقاءها، مرورا بتعليمها وتحديد طريقة حياتها وصولا لتقرير مصيرها والتحكم بها بالكامل.
مجتمعنا ربى المرأة على أنها انسان قاصر لا تستطيع ادارة شؤونها مهما كبرت في العمر ، تبقى السلطة المطلقة عليها من قبل للرجل بدون ضوابط أخلاقية، أو كوابح قانونية تقيد سلطته المنفلتة.
واقعنا اليوم خير دليل على ذلك؛ فالمجتمع حصر المرأة في زاوية مظلمة وافقدها انسانيتها، وهمش رغبتها بالحياة ، فينظر لها الرجل على انها عبارة عن مصدر خطيئة ، وعار يجب ان لا يظهر ، ووعاء فقط لاشباع رغبة الرجل وإنجاب الأطفال وتربيتهم ، حتى وإن حصل فراق يستطيع اخذ اطفالها منها بحماية مجتمعية وقانونية ، وهكذا كان الجميع ضد المرأة بأنانية ذكورية وربط كل ما يفعله بالدين ليقيدها ؛ فظلمها وحرمها ابسط حق من حقوقها، بدعوى الحفاظ عليها، وفي الحقيقة هو لا يحافظ عليها، هو يحافظ على تسلطه تجاهها ويحرص على بقاءها مكبلة خشية أن تنتزع حريتها وتغدو ندّا له، ويفقد قدرته على التحكم الشامل بها.
هناك مثل شعبي يقول (من أمن العقوبة أساء الأدب).الأمر ذاته ينطبق على الرجل.
نحتاج اليوم الى وقفة جادة ، وقوانين صارمة ، وتقييد سلطة الرجل على المراة بقوانين تحميها وتكفل حقها بتقرير مصيرها كيفما تشاء، تعليمها، عملها، نشاطها، علاقاتها الاجتماعية، واختيار شريك حياتها، وغيرها من الامور التي هي حق ثابت من حقوقها التي لا جدال فيها. بعد كل هذه الحوادث هل نرى تغيير حقيقي، ام يبقى مجرد تفاعل موسمي مؤقت وصراخ فردي عابر، يحدث مع كل جريمة تتعرض لها المرأة، ثم يتلاشى وتبقى المأساة واقعًا يكبر ويتمدد كل يوم..؟!