شاهدت عدة أفلام وثائقية عن أبرز نجوم الرياضة وتحديدا في امريكا الجنوبية، مثل ميسي (الأرجنتين) ونيمار (البرازيل) وكافاني (الأرجواي).
جميعهم عاشوا طفولة عادية جدا، تقريبا كحياتنا الريفية البسيطة، مع فارق الاختلاف في مستوى المعيشة والخدمات والبنية التحتية.
وجميعهم تم اكتشاف موهبتهم الرياضية على أيدي أقارب لهم أو شخصيات أخرى لاحظت مستوى تميزهم الكروي عن أقرانهم.
ميسي اكتشف موهبته صديق لعائلته وقام بالتواصل مع برشلونة وأقنعهم بموهبته ووقع عقد معهم.
نيمار أبوه دفعه وشجعه وتدرج في موهبته الرياضية ثم تبناه نادي رياضي برازيلي ثم انتقل لبرشلونة ومنها الى باريس سانجرمان، وأصبح أبوه الآن مدير أعماله.
كافاني كان أبوه رياضي محترف في بلدته وشجعه كثيرا على الرياضة حتى أصبح أحد أبرز الرياضيين، ويعمل الآن مع باريس سانجرمان.
أتذكر ونحن صغار كان هناك العديد من الزملاء المتميزين بالرياضة على مستوى القرية والمديرية، وكان هناك ملعب في القرية تقام فيه مباريات يومية، ويأتي إليه الآخرين من القرى المجاورة ليلعبوا، فقد كان واسعا، وفيه أعمدة حديدية للأجوال.
كان هذا كافيا ليبرع الكثير من الطلاب في كرة القدم، واحتضن ذلك الملعب العديد من المباريات التي كانت تقام بين فريق كل قرية مجاورة.
ثم جاءت فترة أقيمت فيها مباريات رياضية أكثر تنظيما بين فريق القرية التي ننتمي إليها وأطلق عليه "الزمرة" وبين فريق قرية أخرى كان يسمى "المجد"، وخلقت تلك المنافسة التي رعاها الشيخ محمد أحمد عبدالواحد ووفر لها كل الإمكانيات مناخا كرويا بإمتياز.
وتطور الأمر ليصبح أكثر تنظيما حينما كان لكل فريق زيه الرياضي الخاص، وتم إنشاء ملعب أوسع في قرية أخرى بمواصفات الملاعب الرياضية المطلوبة فنيا، فانتقلت المباريات من قريتنا (الزامية) إلى تلك القرية (المزهر)، وعقدت أول مباراة بحضور جماهيري من كلا القريتين والقرى المجاورة.
وأذكر حينها أن فريق "المجد" فاجأ الجميع بوجود لاعبين في صفوفه يلعبون في أندية رياضية بتعز كالصقر والطليعة، ومنهم حارس أحد الأندية، واسمه محمد نجاد، ولذلك حققوا النصر، الذي لم يسلم حينها من اعتراض الفريق المقابل على وجود أولئك اللاعبين.
لازلت أذكر تلك التفاصيل، خاصة ان الوالد حفظه الله كتب كلمة في الحفل الافتتاحي، وشجعني على إلقائها على الحاضرين، وأنا في الصف الخامس تقريبا، ولم أنسى إن الحكمة القائلة "العقل السليم في الجسم السليم" سمعتها لأول مرة من كابتن فريق "الزمرة" مجيب الحذيفي رحمه الله، حينما ألقى كلمة الفريق.
لذلك الرياضة هي بيئة في المقام الأول، والمجتمعات الكروية الشغوفة بكرة القدم عادة ما يتخرج منها العديد من النجوم الرياضيين، وإذا ما حظي هؤلاء بالتشجيع والرعاية فإن اكتشافهم يكون أسهل، ولو كان هناك اهتمام بالرياضة في اليمن على مستوى المدن والأرياف لشهدنا العديد من المواهب الرياضية التي تستطيع أن تنافس وتتميز وتتألق داخليا وخارجيا.
بعد الثانوية انتقلت مع زملاء إلى العاصمة صنعاء لأداء خدمة الدفاع الوطني، وهناك تطور الإهتمام الرياضي، وكانت أندية شعب إب وأهلي صنعاء والطليعة والتلال هي الأندية التي تحظى بالتشجيع والمتابعة منا إذا ما لعبت بشكل منفرد، أما الفرق التي استحقت التشجيع والحفاوة فقد كانت شعب إب والتلال.
والذاكرة لاتزال تحتفظ بالعديد من المواقف الراسخة، ومنها كان تناول الغداء في الحصبة (نفر سلتة مثلا) مع بعض الزملاء ثم المشي على الأقدام حتى ملعب الثورة للتشجيع، أما مدرجات الحضور فقد شهدت قصص لا تنتهي من الفكاهة والسخرية والحماس الذي جاء في أفضل مرحلة عمرية.
بالطبع تختلف درجة الحماس أثناء التشجيع، أذكر مرة كنا نتابع مباراة لنادي التلال مع مجموعة زملاء مجندين من الضالع وعدن وتعز وإب في إحدى اللوكندات بشارع هائل بعد استئجارها بمية ريال، وحين سدد التلال أول هدف قفز أحدهم وهو زميل من الضالع واحتضن التلفاز بكل قوة ورفعه لفوق راسه، و اضطررنا لاستدعاء عامل اللوكندة لتركيبه من جديد بعدما انفصلت أسلاك الكهرباء التي كانت مركبة يدويا.
في كل الأحوال الرياضة تعد وسيلة من وسائل دمج المجتمعات وإذابة ما خلفته السياسة من عداوات وبغضاء وأحقاد وحروب.