غداة الربيع العربي في اليمن وسواها .. وعلى خلفية تدفق ثورة المعلومات بفضل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي كان ذلك سلاح ذو حدين بقدر ما ساهم في تنوير الشعوب في الإنعتاق والتحرر كان أيضا أسلوب تضليل وشحن ووسيلة للتدليس والاستقطاب الجهوي والطائفي بين هذه البلدان التي اجتاحتها محاولات التغيير .
المضحك بأن سواد الشعب اليمني يتابعون من ثقب ضيق بين قيادات يمنية فاشلة سوى حزبية او ميلشيا كالحوثي ويقارنوا ذلك بدول إقليمية للجوار العربي مثل تركيا وإيران .
فيسقطون الخلافات بين تلك دول الجوار العربي ويسقطونه على خلافات بينية بل وحتى الخلافات الخليجية البينية ، فقط من باب الكيد السياسي فبداهة لا مجال للمقارنة بين ايران وتركيا من جهة وبين ممالك النفط المختلفة من جهة ثانية ، وبالأحرى بين بلدان جمهوريات العسكر العربية التي اليمن احدى ضحاياها .
فتركيا مثلا التي تشهد تحولات وبغض النظر عن مألات تلك التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تتم وفق توافق وتفاهم من خلال عملية انتخابية ارتضى بها الجميع ، وبين ميلشيا لا ترقى حتى لمسمى حزب اغتصبت السلطة في غفلة من الزمن ولم يعترف بها العالم اجمع ، او حتى زعامات يمنية فاشلة أوصلت هذه الإمامة للقصر الجمهوري بدبابات الحرس الجمهوري نفسه .
بالامكان القول بأن الفرق بين سياسة المغامرة في اليمن خلال اربعة عقود مضت ، وبين كلا من تركيا وايران ، هي كمن يقول ما الفرق بين ( اوردغان والبردقان ) !
وكمتابع وراصد للشأن اليمني والإقليمي وحتى دول الجوار من العجم والترك وسواهم لاحظت بأن المجتمع التركي والإيراني أكثر رقياً وانفتاحا على الأخر وعلى أبناء جلدتهم .
إشكالية النُخب اليمنية وسواد الشعب بأنهم غدوا متطابق جاهلهم مع مثقفيهم فلا فرق بين متعلم وجاهل ويسقطون خلافات الإقليم التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل على موقف تلك البلدان من الصراعات البينية المحلية !
وهذا لا يقتصر على اليمن ولا حتى على دول الربيع العربي بل أيضا يشمل العراق وبلدان المشرق بل ومعظم الدول العربية .
ويعزى هذا اما لسيطرة الناظمة العربية لماكينة الإعلام او الأحزاب والحركات السياسية او حتى المجتمعات المنفلتة مستغلة وسائل التواصل الاجتماعي لتزيد الشحن الطائفي والمذهبي والانقسام السياسي .
يمكن القول بأن منطقة الشرق الأوسط بأكملها ليس هناك قوة او قوى أساسية لديها مشروع عدى إسرائيل وتركيا وإيران .
الفارق بين ممالك النفط التائهة والمتخبطة وبين الثلاث الدول ( تركيا ايران اسرائيل) ان هذه البلدان لديها مشاريع بغض النطر نتفق معها او نختلف كما كانت الدول العربية قبل عقود مصر الناصرية كمحور اقليمي قوي او عراق صدام حسين كبوابة شرقية للامة العربية . فبعد خروج هذين البلدين ليصبحا تابعا في فلك الاخرين عربا كانوا او عجما ، فان دول الجوار العربي ماضية في مشاريعها .
وهذا الصراع بين قطبي تركيا وايرن لا يقتصر على الأمة العربية بل خارج هذه الرقعة الجغرافية في المشرق العربي ليصل لآسيا الوسطى ،وربما لمجاهل أفريقيا.
فعلى سبيل المثال فأن كلا من تركيا وإيران تعتبران قطبي الصراع في بلدان الربيع العربي والمشرق عموما فأن الخلافات بين هذين البلدين الجارين الكبيرين ذات العمق الحضاري فارس وبلاد الروم ليسوا مختلفين كما يتصور البعض رغم اختلاف مريديهم من الأعراب ، وهو الأمر نفسه بين تركيا على سبيل المثال وروسيا فرغم ان علاقات البلدين في السنوات الأخيرة تعرضت لهزات عنيفة الا ان علاقتهما أفضل من علاقات البينية في دول مجلس التعاون الخليجي المتناحرة.
يجرنا هذا لدور قطبي الصراع الإيراني والتركي في آسياء الوسطى وهي الجمهوريات التي استقلت من تركة الاتحاد السوفيتي السابق وهي نحو ستة جمهوريات ( اذربيجان ، تركمانستان ، اوزبكستان ، طاجسكتان ، قرغيزيا ، كازاخستان ) هناك سباق حضاري بين الدولتين إلام تركيا وايران باعتبار ان هذه البلدان هي اما تتبع حضاريا اللغة الفارسية او التركية ، وهو الأمر نفسه للتبعية المذهبية بين سنة وشيعة ، في هذا السياق هناك طرف ثالث منافس في وسط آسيا وهي دول الخليج وأبرزها السعودية التي فتحت مراكز ثقافية وتحاول التغلغل بين هذه الشعوب مستغلة تحررها من تبعية الروس ورغم ذلك فأن الطرف العربي هو الأضعف والأقل تأثيرا بينما تحاول تركيا نشر نموذجها الليبرالي العلماني بخلفية سنية وثقافة تركية ، وبين النموذج الثيوقراطي الإيراني بخلفيته الثقافية الفارسية .
عندما يرصد المواطن اليمني البسيط العالم من حوله وفي نفس الوقت يرى حالته ومجتمعة الذي غدا الجميع يكره الجميع ، حينها القارئ الفطن والمتابع الطبيعي يدرك ان الخلل فينا شعبا ونخب وقيادات وأحزاب فكلهم لايلدوا سوى فاجراً كفارا!
* كاتب وسفير في الخارجية اليمنية