ليس من عاقل فى العرب إلا ويتمنى أن يعيش اليمنيون احرارا فى بلدهم فى دولة مدنية، متساوين فى الحقوق والواجبات، وان تنتهي هذه الحرب الاهلية الضروس الضارة المضرة، فالتحديات فى اليمن كانت ومازالت ضخمة، وتحتاج الى جهود جبارة لاخراج اليمن من تخلف هو فيه، الى مشارف ما يحب ان يرى اليمنى نفسه، قياسا بالتقدم فى العالم>
اليمن ليس بلدا فقيرا حضاريا ،فلم تنقطع الورقة والقلم عن حواضره طوال تاريخه المعروف، ومنذ التغيير الذى حدث فى عام 1962 جرت تحت نهر اليمن السياسى مياه كثيرة، منها على الأقل حصول نخبة من ابنائه على التعليم، الذى اهل بعضهم لقيادة التغيير فى بلدهم، كما تم تشكيل مؤسسات حديثة، وادارة لم تكن معروفة لفترة طويلة فى العهد السابق قبل عام 1962.
اليوم مكابر هو الذى يقول إنه لا دخل لإيران (السياسية) فى مأساة اليمن التى تحدث، والتى تقذفه سريعا الى القرون الماضية، فهى ليست بعيدة عن تحريك الحوثيين من أجل تنفيذ الاستراتيجية التى تتبناها طهران، وهي الحرب المتقدمة، التى تشير اليها الأدبيات والأفعال السياسية الايرانية، وترى تلك الاستراتيجية العبثية، ان تحارب فى الجوار حتى لا تحارب على تخوم طهران، خاصة ان حرب الجوار اقل كلفة نسبيا للنظام الايرانى، تلك الاستراتيجية من الصعب تغييرها من الجانب الايرانى فى الوقت المنظور ، كما من العسير قبولها من الجانب العربي، هى مبنية على افتراض من قبل طهران، (الحرب المتقدمة) التى تشكل فى نظر متخذ القرار فى طهران اللحمة التي تجمع كثيرا من الإيرانيين تحت مظلة (الفخر القومي) ان لم يجمعهم ( الانتماء المذهبي)! هى (حاجز الصد) الذى يقع فى الأرض العربية لمشكلات نابعة من ايران، لذلك فان الحوثى فى اليمن، هو ليس أكثر من قفاز فى داخله الأصابع الايرانية، التى تحرك هذا القفاز ، ولا ينقصه الكثير من الشعارات الوطنية والاثنية و الصراخ فى المنابر لتبرير افعاله ، على انه يمثل (شعب اليمن)، وان كل الشرور التي تقع والمآسي التى تظهر فى قطاعات واسعة من الشعب اليمنى هى من صنع الآخر !، ليس مهما لدى طهران كم من المصائب الانسانية التى تصيب المواطن اليمني، وليس مهما انتشار الأوبئة والامراض الفتاكة، و ليس مهما عدد الاطفال الذين يموتون جوعا او مرضا ، كما ليس مهما هدم القرى والمدن اليمنية، واعتقال احرار اليمن واغتيال كثير منهم .
الامور فى اليمن يبدو انها تتجه الى انتصار الشرعية اليمنية بتحالفاتها المختلفة، كما أن قواتها على الأرض تتقدم فى اكثر من جبهة، و تحاول الجهود الدولية ان تصل الى مكان سياسي، تسميه تسمية عامة هي (المصالحة الوطنية) بعدد من الشروط الذى يبدو ان الحوثى يقبلها الآن بعد أن رفضها مرارا . القبول ناتج من عدد من الأسباب الأول ربما هو الضغط الدولي على الحاضنة الأساس، وهى النظام الايراني، فهو الآن بصدد جمع أوراقه لمعالجة ما يعرف بنتائج الانسحاب الامريكى من الصفقة الايرانية ـ الدولية فى قضية النووي، والاتفاق الأميركي الكورى الشمالى ،وهى معركة تقلب جزئيا استراتيجية الحرب المتقدمة، وتفقدها الكثير من ادواتها اللوجستية و المادية، و تجبر النظام الايرانى على الاستدارة،الثانى هو التحاق عدد من مكونات الشعب اليمني بقوى الشرعية، وقد كان بعضها على الحياد ، فتفاوض المليشيات الحوثية على حلول سياسية لا يأتى من قوة ولكن من ضعف.
القضية تبدأ هنا ، فقد اخطأت الاستراتيجية الخليجية فى بداية الامر عند اندلاع الازمة اليمنية، فقدمت مبادرة ، بعد صراع قاس على الأرض بين قطاعات واسعة من الشعب اليمنى وبين نظام على صالح الذي استهلك نفسه، قدمت مبادرة على قاعدة عامة ( لا يقتل الذيب و لا تفنى الغنم) فتنازل على صالح عن الحكم ،ولكن قصرت تلك الخطوة عن فهم ديناميكيات وتيارات السياسة اليمنية، فابقت صالح في صنعاء، وتسلم الحكم نائبه التاريخى عبد ربه منصور هادى، كان ذلك الأمر بمثابة وضع البنزين والنار على قرب من بعضهما فاستدار صالح للتحالف بمن يستطيع، وخانه ذكاؤه بالتحالف مع الحوثي، وسارت الامور كما نعرف ، فى تحالف انتهازى بين على صالح والحوثي، فقد الاول حياته وليس فقط سلطته. تلك الغلطة فى المبادرة الخليجية لا يجب أن تتكرر، فالمطروح في العلن ان يتخلى الحوثى عن سلاحه، ويخرج من المدن اليمنية، ولكن يشارك فى حكومة ائتلافية، هذا بمثابة الخروج من الباب للدخول من الشباك، وهو عين الاستراتيجية الايرانية ، اى تبنى مكون فى داخل الدولة العربية، يصل الى المشاركة فى الحكم ( حزب الله اللبنانى او الحشد الشعبى العراقي ) و يحتفظ بسلاحه أو بعضه ليشكل مليشيا خارج الدولة وشوكة لعدم استقرارها.
القبول بكذا تسوية هو بمثابة تعطيل اى نهوض يمنى ، وتأسيس لحرب اخرى ! الدولة التي لا تسيطر على السلاح بكامله ، صغيرة وكبيرة، هي دولة مهددة من الداخل.
*الأهرام