متلازمة ثنائية لعنة الزمان وعبقرية المكان عبر الزمن في الماضي والحاضر فالوحدة مثلاً قد وأدت بيد صانعيها (صالح والبيض) أفضت لإعادة ثنائية الشطرين ، واذكت ثنائية السهل والجبل أو الهضبة كما يحلو للبعض تسمية المركز المقدس الذي غدا غير مقدس بسبب ثنائية أقلية الزيدية والأغلبية من الشوافع السنة انتهت بدورها بثنائية اجتماعية بين أقلية السلالة وعموم اليمنيين ، دفعت بثنائيه الانجرار للماضي واحتكار الإسلام باحتكار "النبي" جينياً،وبالتالي اختزال تطلع اليمن للمستقبل برؤية إقصائية .
ثنائية الحقد الأسود للتاريخ الذي غدا في بعض تفاصيله اقرب للأساطير عندما يبكون الحسين وفاطمة وبعض رموزهم ، بينما استحدث أيتام الزعيم بكاء كاذب من قبل بعض أنصاره تؤكد بما لا يدع للشك بأن أغلبية الشعب اليمني يقدس جلاده.
ثنائية الانقلاب فرع الزعيم والسيد ، وثنائية العدوان "وطني" محلي وإقليمي ، وثنائية الإقليم عربا وعجم ..!
ثمة تحولات درامية غداة الربيع العربي فمن مظلومة الحوثي الذي تحول بمساعدة ظالمة إلى ظالم آخر ، لتؤل الأقدار إلى مقتل الظالم الأول على يد الظالم الأخير فبدأ مريديه وأنصاره " الأول" لصناعة مظلومة جديدة وكلا طرفي المظلومتين بإسناد الإقليم عربا كانوا او عجماً ، فاليوم يدأب طرف إقليمي تدوير الفساد مجددا بأحياء الدولة العميقة مع ان ورثة صالح وشركائه في الانقلاب يؤسسون اليوم لدولة عميقة بديلة خاصة بهم تقوم على أنقاض سابقتها .
وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام بشكل عام في الفضاء اليمني اليوم يضج حول تمجيد الظالم الأول والمستحدث .. يثار جدلا في أوساط اليمنيين حول صالح وحقبته التي قاربت الأربعة عقود وليس كما يُردد ثلث قرن .. ولسان حالهم : أما نلعب او نخرب الملعب !
نحو قرن بالكمال والتمام على استقلال اليمن وأكثر من نصف قرن من استقلاله جنوب اليمن ثنائية فاشلة شمالاٌ وجنوباُ ، ربما بعد مئة عام أخرى من ألان سيسجل التاريخ ثلاثة حكام فقط في شماله وثلاثة في جنوبه !
وهم الإمام يحى والرئيس السلال وعلي عبدالله صالح ، ولا يعني أنهم الأفضل أو الاسواء لكن تداخل معطيات لكل تلك المراحل أنتجت فشلاً ذريعاً وتراكم الإخفاقات بالنتيجة أفرزت لما نحن فيه ، فقد أتى القادة الثلاثة في مراحل مفصلية وكان بإمكانهم تأسيس دولة ، لعل علي عبدالله صالح هو أكثرهم حضاً ليس فقط باعتباره الاطول زمنا في حكمة بل وأتيحت له فرصة ذهبية لبناء مؤسسات دولة وليس لمجرد تأسيس نظام سياسي ينتهي به لطموح التوريث.
و حظي بدعم دولي وإقليمي وفترة استقرار نسبية مقارنا بمن سبقوه رغم هذا هو الأسوأ فقد سعى بأن يأتي بمليشيا الحوثي السيئة الصيت كي يخدع البعض بأن اليمن كان قبل الحوثيين أشبه بسويسرا في الرخاء ورغد العيش.
تراكم الفساد للدولة العميقة خلال أربعة عقود نتج عنه معطيات اليوم باغتصاب الدولة فكما ان الدولة العميقة أنتجت الحوثي فأن طرفي الانقلاب كانوا سببا لاندلاع هذه الحرب التي لا يبدوا افقا لأي نهاية في الأمد القريب .
اما عما سيسجله التاريخ لقيادات في التاريخ الحديث للشطر الجنوبي لليمن هي أيضا ثلاث قيادات وهي بدورها لا علاقة بمن هو الأفضل ، ولكن بحكم المرحلة المفصلية التي أفرزتها وهم :
* قحطان الشعبي باعتباره أول رئيس لدولة مستقلة ومن سخرية الأقدار تزامن استقلال الجنوب مع حصار صنعاء في الشمال ، ومن ثم إطاحة به قيادات القبائل الماركسية والتي بدورها فرخت ثلاث قيادات يسارية .
* الرئيس سالم البيض الذي بقدر ما سيسجل التاريخ بأنه تنازل عن قيادة دولة ليكون الشخص الثاني ، هي ايضا كزعيم الفساد تشاركوا في وأد الوحدة بقدر مساهمتهم في إعلان الوحدة التي كان لكلا منهما مأربه.
* بينما القيادة الثالثة هي الرئيس هادي الذي قذت الاقدار بالرئيس هادي لسدة الحكم بتواطى الدولة العميقة وإصرار من صالح الذي وصفه باليد الأمنية لغاية وغرض في نفسه واعتباره مجرد محلل لريس من بعدي اسمه احمد !
ودليل ذلك ان صالح الذي وصفه في اخراحاديثه بأنه غير وطني وعميل للغرب والشرق ولا يفقه شيئاً في السياسة ، وبداهة يتولد سؤل اذا كان لا يفقه شئ فكيف تجعله نائبا لثمانية عشر عاما ، وبالتالي كيف تجعل منه رئيساً توافقياً بنا على رغبتك !؟
ولكن الرياح سارت بما لا يشتهيه الزعيم فجاء الحوثي المحلل ليتزوج الدولة كلها ، ليتوارى صالح وينتهي به الأمر منكسرا وقتيلا بيد حليفه وانتهى ودول الإقليم المتربصة راضية عنه ولو ليومين فقط .!
فشل النُخب الحاكمة لليمن بين عصرين ملكي وجمهوري كان السمة المشتركة للفترتين ، وحتى تداعيات الربيع العربي أتت في حالة ضعف وتقهقر لمقومات الدولة فاليمن السعيد يُراد له ان ينخرط في لعبة الأمم منذ الستينيات ، وتكالب عليه القريب والبعيد كما تتكالب الأكلة على قصعتها ، وتنميطه بصورة بؤرة إرهابية لا تنموية بهدف تحويله لأفغانستان الجزيرة العربية ، فقد صور الرئيس السابق اليمن كبؤرة إرهاب كي يضمن دعم دولي أكثر وديمومة لحكمه ولم يدرك خطورة ذلك على مستقبل اليمن بحيث كانت نظرة العالم الآخر لليمن من زاوية أمنية لا تنموية ، واليمنيون اليوم يدفعون ثمن ذلك السلوك الخاطئ طيلة فترة الأربعة عقود الماضية .
غدا أمر اليمن ليس بيد هادي ولا أيتام الزعيم بل بيد الإقليم المنقسم بدوره بعد تشقق البيت الخليجي وبداهة فقد انعكس ذلك سلبا على المشهد اليمني.
ظل عفاش يلغم مستقبل اليمن فالحوثيين في نهاية المشهد مُجرد "كمبارس" في مسرحية سيئة الإخراج ، فكلا من ثلاثية هادي والحوثي وصالح ابحث عن الزعيم وكل من ثلاثية التحالف والإمارات والحراك ابحث عن الزعيم أيضاً ، تجريب المجرب ضربا من الحماقة ..
فقدان البوصلة ليمن "الإيمان والحكمة " غدا بلا حكمة وغدا شعباً يُقدس جلاده مثل كثيرا من الشعوب العربية التي وصفها ابن خلدون " ينصاعون ويحترمون الحاكم القوى وإن كان ظالماً".!
* كاتب وسفير في الخارجية اليمنية