أعرف أنكم مصابون بشدوه تام، الدهشة لا تبرحكم منذ أيام، مصدمون حد ذهاب عقولكم جراء هذا الإلتفاف اليماني السبئي العظيم حول أرضهم وقيادتهم الشرعية، إلتفاف يتجاوز كل الانتماءات والولاءات والتوجهات الما دون الوطنية. نعم، لم يكن في حسبانكم بعد كل هذا الخراب المنتشر في كل شارع وزقاق من أرضنا أن يخرج هذا المارد اليمني الذي تمردعن واقعه، ذائداً عن أرضه وموطنه، مدافعاً عن كل ذرات ترابه في أعالى البحار كانت أو في صدر الأودية الفساح. ما كان يخال قرقاشكم الوافد أن يشاهد افترار برق صاعق من خلف سحائب الحزن المخيمة على تعز الشموخ والصمود والكبرياء، أو يسمع زمجرة رعد من قلب حضرموت، من شبام بن عمرو بن حمير.
لقد هالتكم ردة فعل اليمانيين الهادرة على تجاوزاتكم وممارساتكم الاحتلالية في دُرّة الجزر اليمانية سقطرى، لم تعلموا أن اليمني مفطور على حب الأرض منذ الولادة، كان في أعالي الجبال أو في أعالي البحار، اليمني ممزوج بتربته متماهٍ معها ذائب في ذراتها حتى كأنهما طينا لازب. اليمني الذي صنع المنجل والمحراث، وحول الجبال الشواهق إلى مدرجات زراعية غناء، يرى الأرض جزءاً من قلبه وكبده، ينظر للمدرجات الزراعية وكأنها جداولاً تغذي روحه الضامية، الأرض بالنسبة لليمني هي الحياة بكل مافيها والموت دونها وفي سبيلها أسهل من شربة ماء ظهيرة صيف قائض، لكنكم قوم تجهلون.
كان عليكم أن تدرسوا طبائع البلاد قبل أن تغامروا فيما ذهبتم إليه، قراءتكم للتاريخ سيفيدكم كثيراً، لتفرقوا بين الشعوب الحية وما دونها، اليمنيون بحضارتهم وتأريخهم لا يفرطون بأرضهم وترابها الطاهرة، ويقاتلون حتى آخر رمق فيهم كل محتل أثيم. أقرأتم عن الملك ذو نواس الحميري الذي قاتل الأحباش على ساحل اليمن ! وحين شعر بخسارة المعركة خاض البحر بفرسه مفضّلاً العيش في بطون الحيتان على الاستسلام للأعداء، ومثله فعل الملك ذي الكُلاع الحميري في الحملة الأكسومية الثانية.. ! اليمني يا عيال زايد لا يستسلم ولا يركع مهما كانت الظروف والمصاعب والتحديات.
هل أتاكم حديث اليمني في أقاصي شرعب أو في سفح جبل صبر الذي يمضي نصف عمره بين المحاكم والنيابات رافضاً التنازل عن قطعة أرض لا تكفي مساحتها لأن تكون قبراً لأي منهما؟! هكذا هو اليمني وتلك فطرته، والأمثلة كثيرة على تمسكه بأرضه وتراب موطنه.
تتحدثون عن علاقة تأريخية تربطكم باليمن أرضاً وإنساناً، وفي ذات الوقت تعملون بكل جهد وحيلة لسلخ وحدة اليمنيين، أبناء العمومة والدم والمصير الواحد، وتسخِّرون أموالكم وإعلامكم لشرخ الهوية اليمنية وتمزيق النسيج السبئي، فتجعلون من يافع بن يريم بن حمير عدوا لشمير وشرعب وذي أصبح بن يريم بن حمير، وتصنعون جيوشاً وأحزمةً ونُخباً مليشياوية بلا هوية وطنية جامعة وبولاء مطلق لكم ولحكامكم، كما فعل قبلكم المحتل الانكليزي، ثم تتحدثون عن روابط تاريخية باليمن وأنتم من تحولونها إلى كنتونات مناطقية مفرغة من أي هدف وطني جمعي.
ذات فجر يماني بهي، قال الفُضول، شاعر اليمن الأرض والإنسان، مخاطباً أرض الجنتين وحاضرة مملكتي سبأ وحمْير:
كل صخر في جبالك
كل ذرات رمالك
كل أنداء ظلالك
في جنوبٍ وجدت أو في شمالك
ملْكُنا.. إنها ملك أمانينا الكبيرة
وبعد هذا الاحتواء الوطني للأرض والإنسان من صعدة إلى سقطرى الذي غدا نشيداً وطنياً ، أطلق صيحة التحدي الحميرية لمن يحاول تدنيسها أو المساس بالسيادة والكرامة الوطنية، معلناً أن اليمني اكتسب من أرضه بسمة المحب لمن أراد وصولة الأسد الهصور لمن تجاوز حدوده :
هي أرضي زرعت لي في فمي
بسمة الخير وناب الضيغم
على أية حال، لا تظنوا أن هذا السيل اليمني الجارف والغاضب من أفعالكم وتصرفاتكم سببه تعديكم على سقطرى فحسب، سقطرى هي عنوان عريض لكل أفعالكم الشائنة بحق اليمني منذ ثلاثة أعوام، ولا يمكن في هذا الحال والمنوال أن نعفي السعودية عما تقومون به، فكل خطوة تقومون بها ضد اليمن ووحدة ترابه تتم برضا وموافقة حليفتكم السعودية ضد اليمن الأرض والإنسان، والتاريخ لن يرحم أحد