خطورة ماجرى ويجري في اليمن يتلخص في أن تداخلات الصراع وأبعاده الإقليمية والدولية التي تنعكس على معاناة الشعب اليمني وتكاد تفقد الأمل في أي حل قريب.
وغدا هذا الصراع على عدة أوجه بأطراف ووكلاء أبناء اليمن أنفسهم سوى كانوا نخباً أو الرأي العام اليمني نفسه الذي انخرط في معمعة وضبابية هذه الوضع المعقد أصلا فصراع الدولة العميقة وهوس السلطة الذي تماهى مع تربص إقليمي وتواطي إقليمي افرز بداهة لاختلاط الأوراق بدخول طرف ثالث لم يكن في الحسبان وهو مكون الحوثي ويضع الله سره في اضعف خلقه بحيث غدا هذا المكون وكأنه قدرا لليمنيين بخلق أمر واقع على خلفية تأمر الإقليم مما جعل لهذا المكون اعتبار من حيث لا يحتسب فتورط اليمنيين بسرقة حلمهم في الدولة المدنية التي حلموا بها قبل سبع سنوات عندما يشاهدون بأم أعينهم بلدهم ينزلق للمجهول وغدا لقمة سائغة ومجرد رقم في بؤر التوتر رغم الحصانة التي منحت لمن عبث باليمن أربعة عقود ، بتحول وطنهم كلقمة صائغة في لعبة الأمم وانزلقت كبؤرة من بؤر الصراع الإقليمي للمقايضة في دهاليز السياسة العالمية من أوسع أبوابه.
يكفي بأن المتابع والراصد لهذه البؤر الساخنة وعلى خلفية تصريحات ابن سلمان المتناقضة حول عاصفة العجز وتزامن ذلك بمراحل التصعيد في شمال بلاده وجنوبها بعد ثلاث سنوات من الإخفاق والفشل والتأمر من سوريا واليمن وسواهما فصواريخ الحوثي الإيرانية وكذا الطائرات بدون طيار في عمق بلاده ، فما تفسير كل هذا في سياق تصريحات الإدارة الأمريكية على لسان "ترامب" بأن صواريخه هو الآخر قادمة إلى سوريا ، والرد الروسي الواضح بأنها ستسفط تلك الصورايخ في حالة إطلاقها !
لسنا هنا بصدد جلد الذات وتأنيب الضمير وتبرير ما لا يفيد بما حدث خلال السنوات المنصرمة .. ولكن ينبغي على الرأي العام اليمني ان يدرك ما آلت إليه الأمور وأبعاد الأزمة الحالية بتجذرها تتعمق وتتعقد بمرور الزمن فما كان ممكنا بالأمس أصبح صعباً اليوم وربما مستحيلا في الغد.
كان اليمن بمنأى عن هذه الصراعات الإقليمية والجاذبات لولا القفز على الإجماع باغتصاب السلطة بتواطئ ساسة الداخل والإقليم.
هل تسأل احدنا كيف سيكون إحساس المتابع والمشاهد اليمني لما يحدث اليوم فيما حوله من خلاف البيت الخليجي وحماقة هوس السلطة في السعودية ومخاوف اندلاع حرب أممية في سويا في حال كان اليمن بعيداً عن هذه الصراعات فيما لو انتهت الفترة الانتقالية بسلام ..
نعم كان الإشكال في رغبة اليمنيين بالتحول لدولة مدنية يتساوى مواطنيها وتنهي حالة الفساد والإفساد وتطوي صفحة التخلف والبؤس والذي جرى هو رغبة الدولة العميقة بتواطئ الإقليم في إعادة إنتاج من يفترض أن الثورة قامت ضده وبتداخلات صراعات الإقليم قفز طرف ثالث وهو الحوثي للانقضاض على السلطة في مرمى ومسمع الأطراف المتناحرة والدولة العميقة التي توارت شكلا وليس فعليا حتى مقتل زعيم الفساد على يد حليفه .. بالطبع ازلية الحروب مستحيله وبداهة أي حرب تضع أوزارها يوما ما ...
لكن من الحكمة ان نستلهم من دروس الماضي حكمة وعبرة منها على الأقل المصالحة بعد حرب الستينيات وتجربة اليمنيين مع ميلشيا الحوثي وآخرها بما فرض عليه تحت أسنة الرماح غدا سقوط صنعاء بما سمى باتفاق السلم والشراكة فلم نرى لا اتفاقا ولا سلم ولا شراكة بل هوس للسلطة والتذرع بمعاناة الشعب اليمني وقتها للانقضاض على السلطة بتواطئ السلطة العميقة سوى برأسها المدبر او بعناصرها ومنهم الرئيس الحالي وبالطبع تربص وتواطئ الإقليم وما يمسى بالمجتمع الدولي ومنها الأمم المتحدة الغير متحدة فكما كان دور جمال بن عمر هو إيصال ميلشيا الحوثي للقصر الجمهوري بدبابات الحرس الجمهوري نفسه كما المطلوب من خلفه ولد الشيخ شرعنه الانقلاب واليوم في ظل المبعوث ألأممي الثالث غدا الأمر أكثر تعقيداً وتداخلاً ..
لاسيما بعد خذلان التحالف وضعف الشرعية الأمر الذي اظهر ميلشيا الحوثي وكأنها قويه مع أنها في اضعف حالاتها ولكن قياسا بواقع الحال هي لازالت قوية شعبيا وعسكريا طالما مسوغات الواقع تتضح يوما بعد يوم وعليه يمكن القول بأن اليمن في محنة كبيرة ومأزق كبير وعميق ومتداخل يصعب التصور بمألاته وكيف ستنتهي الأمور على خلفي يوميات الحرب ومسوغات واقع الحال وتفكك الجبهة الداخلية وانقسام الشعب اليمني على نفسه وغياب الوعى الحقيقي وتأثر الكثيرون بالآلة الإعلامية لإطراف الصراع المحلي والإقليمي على خلفية حالة استقطاب حادة بين مكونات الشعب اليمني المحبط أصلاً
اليمن بحاجة لمعجزة لإنقاذه من هذا المأزق .. أفرزت كلها . وبداهة فأن التمنيات لا تتماهى بالضرورة مع واقع الحال .. فعلى الأقل ان ندرك بأن مستقبل اليمن لن يكون بأي حال من الأحوال بمشاركة من عبث به سوى أذيال الدولة العميقة التي دأب الإقليم على إعادة تدويرها بجعلها جزاء من الحل المفترض ، او من الاستسلام لسلطة الأمر الواقع التي دأبت بتجذر رؤيتها الدخيلة على المجتمع اليمني بحوثنة الدولة في كل مفاصل السلطة في محاولة لخلق نواة صلبة لدولة عميقة على أنقاض الدولة الفاسدة لحليفها الرئيس السابق في الانقلاب ، لامناص لليمنيين إلا بالاعتراف بالشرعية رغم مساوئها وضعفها فمن خلالها ستنبثق نخبه جديدة وستفرز المرحلة اللاحقة رموز وطنية لا تنتمي لأي من هذين الحليفين اللذان عبثان باليمن وجره لهذه المرحلة .. فسلطة الأمر الواقع وأن استقوت بمسوغ الصمود لمواجهة " العدوان" وهي أصل العدوان والبادئ اظلم فهذه الميلشيا لا تمثل بالضرورة حلم اليمنيين في دولة مدنية فلا يعقل بعد كل ما جرى ويجري ان نفطر ببصلة الحوثي وهي مجرد أداة لأجندة خارجية وبهذا لا ينبغي ان تكون جزاء من الحل لأنها كزعيم الفساد جزاء من المشكلة فلا سلام مستدام ولن تقوم لليمن قائمة إلا بتواري الظاهرة الحوثية وتجريمها بتشريع قانوني بل ومحاسبة ومحاكمة من اقترف جرما في حق هذا الشعب المنكوب بحكامه .
ولكنها أداة لأجندة خارجية بل ان السلام المستدام يتمحور في نخب منبثقة من صلب المعاناة وإيقاع الشارع المثخن بالجراح .
* كاتب وسفير في الخارجية اليمنية
*خاص بالموقع بوست