هناك محاولات لقراءة التاريخ اليمني، وهي محمودة على كل حال، وهناك كتابات ومحاولات لبعض الشباب من خلال النقاش العام، بهدف المشاركة في صناعة وعي وطني يستنهض الهمم، ويسعى لتجديد الهوية اليمنية واستعادة عافيتها، ينطلق من فهم ورؤية ملتبسة لحقيقة الدور الذي لعبته اليمن في تأسيس الحضارة العربية، التي نهضت عليها حضارة الإسلام.
يحاول البعض بقصور، أو بردة فعل مكلومة، ونزعة طفولية أن يفصل اليمن عن اصالتها الحضارية المرتبطة بمحيطها الجغرافي، ظنا منه بانه يؤسس لتميز البلد وتفردها، بينما هو للاسف ينقض دورها في صناعة الوعي الحضاري للمنطقة العربية، وصياغة وحدتها الحضارية، وهويتها الواحدة قبل الاسلام، وبعده، وذلك من خلال قراءات مجزوءة ومشطورة، فيتناول التاريخ مفصولا عن جواره ومحيطه في المنطقة العربية، وعلاقات التأثر والتأثير المتبادل ايجابا وسلبا، ويظن البعض أن ذلك نوع من الاعتزاز باليمانية، بينما هو للأسف يؤسس لحالة من تشظي الوعي، وقراءة انفصامية، تعبث بالوعي، دون أن تبعث فيه روح التطلع لتجاوز معوقات الواقع الراهن بكل ملابساتها، وتمحو الدور الجبار الذي استندت عليه حضارة الإسلام.
ولعل قراءة الملاحم اليمنية التي نشأت مع اوائل قيام الدولة الإسلامية في دمشق، تؤكد على أنها لم تهدف لصناعة وعي يمني محلي، بل امتد تأثيرها ليؤسس لقيام حضارة إسلامية، ذات تاريخ عريق، تستند على انجازات اليمنيين، وحول ذلك الدور يؤكد المستشرق الروسي ميخائيل بتروفسكي بأن تلك الملاحم: " ربطت بين حضارة العرب قبل الإسلام وحضارتهم الإسلامية وأصبحت هذه الملاحم أساسا لتاريخ العرب العام وكانت أيضا مصدر لكثير من القصص والأخبار الخيالية والذكريات التاريخية التي تمتلأ بها الكتب العربية في العصور الوسطى سواء الأدبية أو التربوية أو التاريخية أو الفلسفية أو الجغرافية. وأصبحت هذه المجموعة من الأشخاص والحكايات التاريخية صفة من الصفات المميزة للحضارة الإسلامية."
كما لم يعرف عن الرواد الأوائل لمؤرخي اليمن ودعاة "الوطنية اليمنية" التي يمثلها الهمداني، أو "الوطنية الحميرية" التي رفع لواءها نشوان الحميري، بأنهم سعوا لفصل اليمن وتاريخها عن بقية الكيان العربي، ولا الاستعلاء على بقية العرب، كما فعل الشعوبيون في كتاباتهم التي دأبت على الحط من العرب عموما، واعلاء شأن الفرس، وهنا يتجلى الفرق واضحا بين الوطنية اليمنية، والشعوبية الفارسية، والتي يحاول بعض الكتبة أن يقتفوا أثرها بلا تمحيص ويؤسسوا لها اليوم في قراءة الدور الحضاري لليمن من خلال كتاباتهم المملؤة بالعاطفة، أكثر من المعرفة، وهي تشبه في جوهرها ما يطرحه بعض دعاة الجنوب العربي الذين يحاولون أن يثبتوا مزاعمهم التالفة، بكتابات مليئة بالمغالطة حول الجنوب العربي، وأنه تاريخيا جزءا منفصلا عن اليمن، وهذا ما تكذبه الجغرافيا، ويفضح زيفه التاريخ، وتخرسه شواهد الحياة على مر الأزمان، وللأسف فإن كلا الطرفين تنتهي كتاباتهم لتعزز الشرخ داخل دوائر الهوية اليمنية.
* خاص بالموقع بوست